سيقول المخلفون المذكورون من الأعراب فاللام للعهد وقوله تعالى: إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ظرف لما قبله لا شرط لما بعده، والمراد بالمغانم مغانم خيبر كما عليه عامة المفسرين، ولم نقف على خلاف في ذلك، وأيد بأن السين تدل على القرب وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية كما علمت، فإرادتها كالمتعينة، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أن الله تعالى وعد أهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون شيئا، وخص سبحانه ذلك بهم أي سيقولون عند إطلاقكم إلى مغانم خيبر لتأخذوها حسبما وعدكم الله تعالى إياها وخصكم بها طمعا في عرض الدنيا لما أنهم يرون ضعف العدو ويتحققون النصرة ذرونا نتبعكم إلى خيبر ونشهد معكم قتال أهلها يريدون أن يبدلوا كلام الله بأن يشاركوا في الغنائم التي خصها سبحانه بأهل الحديبية وحاصله يريدون الشركة التي لا تحصل لهم دون نصرة الدين وإعلاء كلمة الله تعالى، والجملة استئناف لبيان مرادهم بذلك القول، وقيل: يجوز أن تكون حالا من المخلفين، وهو خلاف الظاهر ولا ينافي خبر التخصيص إعطاؤه عليه الصلاة والسلام بعض مهاجري الحبشة القادمين مع جعفر وبعض الدوسيين والأشعريين من ذلك وهم أصحاب السفينة كما في ، فإنه كان استنزالا للمسلمين عن بعض حقوقهم لهم أو أن بعضها فتح صلحا وما أعطاه عليه الصلاة والسلام فهو بعض مما صالح عليه، وكل هذا مذكور في السير لكن الذي صححه المحدثون أنه لا صلح فيها. البخاري
وقال الكرماني: إنما أعطاهم صلى الله عليه وسلم برضا أصحاب الوقعة أو أعطاهم من الخمس الذي هو حقه عليه الصلاة والسلام، وميل إلى الثاني وحمل كلام الله تعالى على وعده بتلك الغنائم لهم خاصة هو الذي عليه البخاري مجاهد وعامة المفسرين، وقال وقتادة : كلام الله قوله سبحانه وتعالى: ( قل لن تخرجوا معي أبدا ) ووافقه ابن زيد على ذلك وشنع عليهما غير واحد بأن ذلك نازل في المخلفين في غزوة تبوك من المنافقين وكانت تلك الغزوة يوم الخميس في رجب سنة تسع بلا خلاف كما قال الجبائي القسطلاني والحديبية في سنة ست كما قاله وغيره، وهذه إنما نزلت بعيد الانصراف من ابن الجوزي الحديبية كما علمت، وأيضا قال في البحر: قد غزت مزينة وجهينة من هؤلاء المخلفين بعد هذه المدة معه عليه الصلاة والسلام وفضلهم صلى الله تعالى عليه وسلم بعد ذلك على تميم وغطفان وغيرهم من العرب، وفي الكشف لعل القائل بذلك أراد أن هؤلاء المخلفين لما كانوا منافقين مثل المخلفين عن تبوك كان [ ص: 102 ] حكم الله تعالى فيهم واحدا، ألا ترى أن المعنى الموجب مشترك وهو رضاهم بالقعود أول مرة، فكلام الله تعالى أريد به حكمه السابق وهو أن المنافق لا يستصحب في الغزو، ولم يرد أن هذا الحكم منقاس على ذلك الأصل أو الآية نازلة فيهم أيضا فهذا ما يمكن في تصحيحه انتهى، ويقال عما في البحر: إن الذين غزوا بعد لم يغزوا حتى أخلصوا ولم يبقوا منافقين والله تعالى أعلم. وقرأ حمزة (كلم الله) وهو اسم جنس جمعي واحده كلمة والكسائي قل إقناطا لهم لن تتبعونا أي لا تتبعونا فإنه نفي في معنى النهي للمبالغة، والمراد نهيهم عن الاتباع فيما أرادوا الاتباع فيه في قولهم: ذرونا نتبعكم وهو الانطلاق إلى خيبر كما نقل عن محيي السنة عليه الرحمة، وقيل: المراد ولا تتبعونا ما دمتم مرضى القلوب، وعن : كان الموعد أي الموعد الذي تغييره تبديل كلام الله تعالى وهو موعده سبحانه لأهل مجاهد الحديبية أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم فكأنه قيل: لن تتبعونا إلا متطوعين، وقيل: المراد التأبيد، وظاهر السياق الأول كذلكم قال الله من قبل أي من قبل أن تهيأتم للخروج معنا وذلك عند الانصراف من الحديبية فسيقولون للمؤمنين عند سماع هذا النهي بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنائم، وهو إضراب عن كونه بحكم الله تعالى أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسدا. وقرأ أبو حيوة (تحسدوننا) بكسر السين بل كانوا لا يفقهون لا يفهمون إلا قليلا أي إلا فهما قليلا وهو فهمهم لأمور الدنيا، وهو رد لقولهم الباطل في المؤمنين ووصف لهم بما هو أعظم من الحسد وأطم وهو الجهل المفرط وسوء الفهم في أمور الدين، وفيه إشارة إلى ردهم حكم الله تعالى وإثباتهم الحسد لأولئك السادة من الجهل وقلة التفكر