لعمرك ما الأكراد أبناء فارس ولكنه كرد بن عمرو بن عامر
انتهى، وفي القاموس: الكرد بالضم جيل من الناس معروف والجمع أكراد وجدهم كرد بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء انتهى، وعامر هذا من العرب بلا شبهة فإنه ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ويقال له: الأسد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويسمى عامرا وهو عند الأكثر ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وقيل: من ولد هود، وقيل: هو هود نفسه، وقيل: ابن أخيه، وذهب الزبير بن بكار إلى أن قحطان من ذرية إسماعيل عليه السلام وأنه قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل، والذي رجحه ابن حجر أن قبائل اليمن كلها ومنها قبيلة عمرو مزيقيا من ولد إسماعيل عليه السلام، ويدل له تبويب باب نسبة البخاري اليمن إلى إسماعيل عليه السلام ذكر ذلك السيد نور الدين علي السمهودي في تاريخ المدينة، وفيه أن الأنصار الأوس والخزرج من أولاد ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا المذكور وكان له ثلاثة عشر ولدا ذكورا منهم ثعلبة المذكور، وحارثة والد خزاعة، وجفنة والد غسان، ووداعة وأبو حارثة وعوف وكعب ومالك وعمران وكرد كما في القاموس انتهى.
وفائدة الخلاف تظهر في أمور منها الكفاءة في النكاح، والعامة لا يعدونهم من العرب فلا تغفل، والذي يغلب على ظني أن هؤلاء الجيل الذين يقال لهم اليوم: أكراد لا يبعد أن يكون فيهم من هو من أولاد عمرو مزيقيا وكذا لا يبعد أن يكون فيهم من هو من العرب وليس من أولاد عمرو المذكور إلا أن الكثير منهم ليسوا من العرب أصلا، وقد انتظم في سلك هذا الجيل أناس يقال: إنهم من ذرية ، وآخرون يقال: إنهم من ذرية خالد بن الوليد وآخرون يقال: إنهم من ذرية معاذ بن جبل العباس بن عبد المطلب ، وآخرون يقال: إنهم من بني أمية ولا يصح عندي من ذلك شيء بيد أنه سكن مع الأكراد طائفة من السادة أبناء رضي الله تعالى عنهم يقال لهم: الحسين البرزنجية لا شك في صحة نسبهم وكذا في جلالة حسبهم، وبالجملة الأكراد مشهورون باليأس وقد كان منهم كثير من أهل الفضل بل ثبت لبعضهم الصحبة، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة في حرف الجيم: جابان والد ميمون روى ابن منده من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن أبي خلدة سمعت ميمون بن جابان الكردي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة حتى بلغ عشرا وذكر الحديث.
وقد أخرج نحوه في المعجم الصغير عن الطبراني ميمون الكردي عن أبيه أيضا وهو أتم منه ولفظه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها فمات ولم يؤد إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زان، وأيما رجل استدان [ ص: 104 ] دينا لا يريد أن يؤدي إلى صاحبه حقه خدعه حتى أخذ ماله فمات ولم يؤد إليه دينه لقي الله وهو سارق).
ويكنى ميمون هذا بأبي بصير بفتح الموحدة، وقيل: بالنون، وهو كما في التقريب مقبول، هذا وأشهر الأقوال في تعيين هؤلاء القوم أنهم بنو حنيفة.
وقال : الذي أقوله إن هذه الأقوال تمثيلات من قائلها لا تعيين القوم، وهذا وإن حصل به الجمع بين تلك الأقوال خلاف الظاهر، وقوله تعالى: أبو حيان تقاتلونهم أو يسلمون على معنى يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام لا ثالث لهما، فأو للتنويع والحصر لا للشك وهو كثير، ويدل لذلك قراءة أبي (أو يسلموا) بحذف النون لأن ذلك للناصب وهو يقتضي أن أو بمعنى إلا أي إلا أن يسلموا فيفيد الحصر أو بمعنى إلى أي إلى أن يسلموا، والغاية تقتضي أنه لا ينقطع القتال بغير الإسلام فيفيده أيضا كما قيل: والجملة مستأنفة للتعليل كما في قولك: سيدعوك الأمير يكرمك أو يكبت عدوك، قال في الكشف: ولا يجوز أن تكون صفة لقوم لأنهم دعوا إلى قتال القوم لا أنهم دعوا إلى قوم موصوف بالمقاتلة أو الإسلام. وزيد بن علي
وجوز بعضهم كونها حالية وحاله كحال الوصفية، وأصل الكلام ستدعون إلى قوم أولي بأس لتقاتلوهم أو يسلموا فعدل إلى الاستئناف لأنه أعظم الوصلين، ثم فيه أنهم فعلوا ذلك وحصلوا الغرض فهو يخبر عنه واقعا.
والاعتراض بأنه يلزم أن لا ينفك الوجود عن أحدهما لصدق إخباره تعالى ونحن نرى الانفكاك بأن يتركوا سدى أو بالهدنة فينبغي أن يؤول بأنه في معنى الأمر على ما في أمالي غير سديد لأن القوم مخصوصون لا عموم فيهم، وكان الواقع أنهم قوتلوا إلى أن أسلموا سواء فسر القوم ابن الحاجب ببني حنيفة أو بثقيف وهوازن أو فارس والروم على أن الإسلام الانقياد فما انفك الوجود عن أحدهما وقعا، وأما امتناع الانفكاك فليس من مقتضى الوضع ولا الاستعمال بل ذلك في الكلام الاستدلالي قد يتفق.
وأطال الطيبي الكلام في هذا المقام ثم قال: الذي يقتضيه المقام ما ذهب إليه صاحب التحبير من أن يسلمون عطف على تقاتلونهم إما على الظاهر أو بتقديرهم يسلمون ليكون من عطف الاسمية على الفعلية وحينئذ تكون المناسبة أكثر إذ تخرج الجملة إلى باب الكناية ، والمعنى تقاتلونهم أو لا تقاتلونهم لأنهم يسلمون ، وقد وضع فيه أو يسلمون
موضع أو لا تقاتلونهم لأنهم اذا أسلموا سقط عنهم قتالهم ضرورة ، والاستدعاء عليه ليس إلا للاختبار ، و ( أو ) للترديد على سبيل الاستعارة وفيه ما فيه ، وشاع الاستدلال بالآية على صحة إمامة رضي الله تعالى عنه ، ووجه ذلك الإمام فقال : الداعي في قوله تعالى : أبي بكر ستدعون لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الأئمة الأربعة أو من بعدهم لا يجوز الأول لقوله سبحانه قل لن تتبعونا إلخ ولا أن يكون رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه لأنه إنما قاتل البغاة والخوارج وتلك المقاتلة للإسلام لقوله عز وجل : عليا أو يسلمون ولا من ملك بعدهم لأنهم عندنا على الخطأ وعند الشيعة على الكفر ولما بطلت الأقسام تعين أن يكون المراد بالداعي أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم ، ثم إنه تعالى أوجب طاعته وأوعد على مخالفته وذلك يقتضي إمامته وأي الثلاثة كان ثبت المطلوب ، أما إذا كان وعثمان فظاهر ، وأما إذا كان أبا بكر أو عمر فلأن إمامته فرع إمامته رضي الله تعالى عنه ، وتعقب بأن الداعي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشعر بذلك السين قوله : لا يجوز لقوله سبحانه : عثمان لن تتبعونا إلخ فيه أن ( لن ) لا تفيد التأبيد على الصحيح وظاهر السياق يدل على أن [ ص: 105 ] المراد به لن تتبعونا في الانطلاق إلى خيبر كما سمعت عن محيي السنة أو هو مقيد بما روي عن أو بما حكي عن بعض ، وقال مجاهد : القول بأنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ليس بصحيح فقد حضر كثير منهم مع أبو حيان جعفر في مؤتة وحضروا حرب هوازن معه عليه الصلاة والسلام وحضروا معه صلى الله عليه وسلم أيضا في سفرة تبوك انتهى ، ولا يخفى أن هذا إذا صح ينفي حمل النفي على التأييد .
ومن الشيعة من اقتصر في رد الاستدلال على الدعوة في تبوك . وتعقب بأنه لم يقع فيها ما أخبر الله تعالى به في قوله سبحانه : تقاتلونهم أو يسلمون ومنهم من زعم أن الداعي كرم الله تعالى وجهه وزعم كفر البغاة والخوارج عليه رضي الله تعالى عنه وأنه لو سلم إسلامهم يراد بالإسلام في الآية الانقياد إلى الطاعة وموالاة الأمير ، وفيه ما لا يخفى ، والإنصاف أن الآية لا تكاد تصح دليلا على إمامة علي رضي الله تعالى عنه إلا إن صح خبر مرفوع في كون المراد بالقوم بني حنيفة ونحوهم ودون ذلك خرط القتاد ، ونفى بعضهم صحة كون المراد بالقوم فارسا والروم لأن المراد في قوله تعالى : الصديق تقاتلونهم أو يسلمون على ما سمعت وفارس مجوس والروم نصارى فلا يتعين فيهم أحد الأمرين من المقاتلة والإسلام إذ يقبل منهم الجزية ، وكذا اليهود ومشركوالعجم والصابئة عند رضي الله تعالى عنه وقال : يتعين كونهم مرتدين أو مشركي أبي حنيفة العرب لأنهم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، ومثل مشركي العرب مشركو العجم عند رضي الله تعالى عنه فعنده لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس ، وأنت تعلم أن من فسر القوم بذلك يفسر الإسلام بالانقياد وهو يكون بقبول الجزية فلا يتم له أمر النفي فلا تغفل الشافعي فإن تطيعوا الدعي فيما دعاكم إليه يؤتكم الله أجرا حسنا هو على ما قيل الغنيمة في الدنيا والجنة في الأخرى وإن تتولوا عن الدعوة كما توليتم من قبل في الحديبية يعذبكم عذابا أليما لتضاعف جرمكم ، وهذا التعذيب قال في البحر : يحتمل أن يكون في الدنيا وأن يكون في الآخرة ، ويحتمل عندي وهو الأوفق بما قبله على ما قيل كونه فيهما ولا بأس بكون كل من الإيتاء والتعذيب في الآخرة بل لعله المتبادر لكثرة استعمالهما في ذلك ، ولا يحسن كون الأمرين في الدنيا ولا كون الأول في الآخرة أو فيها وفي الدنيا والثاني في الدنيا فقط