وأقيموا الوزن بالقسط قوموا وزنكم بالعدل ، وقال هذا إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال ، وعن الراغب أن المعنى أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ والإعطاء ، وقال مجاهد : الإقامة باليد ، والقسط بالقلب ، والظاهر أن الجملة عطف على الجملة المنفية قبلها ولا يضر في ذلك كونها إنشائية ، وتلك خبرية لأنها لتأويلها بالمفرد تجردت عن معنى الطلب ، وجعل بعضهم لا في الأولى مطلقا ناهية حرصا على التوافق سفيان بن عيينة ولا تخسروا الميزان أي لا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه وكرر لفظ ( الميزان ) بدون إضماره كما هو مقتضى الظاهر تشديدا للتوصية وتأكيدا للأمر باستعماله والحث عليه ، بل في الجمل الثلاث تكرار ما معنى لذلك ، وقرئ «ولا تخسروا» بفتح التاء وضم السين ، وقرأ زيد بن علي وبلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين .
وحكى وصاحب اللوامح عن ابن جني بلال أنه قرأ بفتحهما وخرج ذلك على أن الأصل - ولا تخسروا في الميزان - فحذف الجار ، وأوصل الفعل بناء على أنه لم يجئ إلا لازما ، وتعقبه الزمخشري بأن خسر قد جاء متعديا كقوله تعالى : أبو حيان خسروا أنفسهم [الأنعام : 12] وغيرها و خسر الدنيا والآخرة [الحج : 11] فلا حاجة إلى دعوى الحذف والإيصال ، وأجيب بأنه على تقديرأن يكون متعديا هنا لا بد من القول بالحذف والإيصال لأن المعنى على حذف المفعول به أي لا تخسروا أنفسكم في الميزان أي لا تكونوا خاسريها يوم القيامة بسبب الميزان بأن لا تراعوا ما ينبغي فيه ، والراغب جوز حمل الآية على القراءة المشهورة على نحو هذا فقال : إن قوله تعالى : وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان يجوز أن يكون إشارة إلى تحري العدالة في الوزن وترك الحيف فيما يعاطاه فيه ، ويجوز أن يكون إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به في القيامة خاسرا فيكون ممن قال سبحانه فيه : من خفت موازينه [الأعراف : 9 ، المؤمنين : 103 ، القارعة : 8] وكلا المعنيين متلازمان ، وقيل : المعنى على التعدي بتقدير مضاف أي موزون الميزان ، أو جعل الميزان مجازا عن الموزون فيه فتأمل ولا تغفل.