ويؤيد قراءة الحسن فلا قسم - وهو مبني على ما ذهب إليه تبعا لبعض النحويين من أن فعل الحال يجوز القسم عليه فيقال : والله تعالى ليخرج زيد وعليه قول الشاعر : وعيسى
ليعلم ربي أن بيتي واسع
وحينئذ لا يصح أن يقرن الفعل بالنون المؤكدة لأنها تخلصه للاستقبال وهو خلاف المراد ، والذي اختاره ابن عصفور والبصريون أن فعل الحال كما هنا لا يجوز أن يقسم عليه ومتى أريد من الفعل الاستقبال لزمت فيه النون المؤكدة فقيل : لأقسمن وحذفها ضعيف جدا ، ومن هنا خرجوا قراءة الحسن على أن اللام لام الابتداء والمبتدأ محذوف لأنها لا تدخل على الفعل والتقدير فلأنا أقسم ، وقيل : نحوه في قراءة الجمهور على أن الألف قد تولدت من الإشباع ، وتعقب بأن المبتدأ إذ دخل عليه لام الابتداء يمتنع أو يقبح حذفه لأن دخولها لتأكيده وهو يقتضي الاعتناء به وحذفه يدل على خلافه ، وقال وعيسى وبعض النحاة : - لا - نفي ورد لما يقوله الكفار في القرآن من أنه سحر وشعر وكهانة كأنه قيل : فلا صحة لما يقولون فيه ثم استؤنف فقيل : ( أقسم ) إلخ ، وتعقبه سعيد بن جبير بأنه لا يجوز لما فيه من حذف اسم - لا - وخبرها في غير جواب سؤال نحو - لا - في جواب هل من رجل في الدار ، وقيل : الأولى فيما إذا قصد بلا نفي لمحذوف واستئناف لما بعدها في اللفظ الإتيان بالواو نحو - لا - وأطال الله تعالى بقاءك ، وقال بعضهم إن - لا - كثيرا ما يؤتى بها قبل القسم على نحو الاستفتاح كما في قوله : أبو حيانلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
وقال أبو مسلم وجمع : إن الكلام على ظاهره المتبادر منه ، والمعنى لا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أي لا يحتاج إلى قسم ما فضلا عن أن هذا القسم العظيم ، فقول مفتي الديار الرومية أنه يأباه تعيين المقسم به وتفخيمه ناشئ عن الغفلة على ما لا يخفى على فطن بمواقع النجوم أي بمساقط كواكب السماء ومغاربها كما جاء في رواية عن قتادة على أن الوقوع بمعنى السقوط والغروب وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها ، والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير ، ولذا استدل والحسن الخليل عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جل وعلا ، أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم .
وقد أخرج البخاري عن ومسلم مرفوعا أبي هريرة وعن «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له » أيضا المراد مواقعها عند الانكدار يوم القيامة قيل : وموقع عليه مصدر ميمي أو اسم زمان ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث ، وعن الحسن أبي جعفر وأبي عبد الله على آبائهما وعليهما السلام المراد مواقعها عند الانقضاض إثر المسترقين السمع من الشياطين ، وقد مر لك تحقيق أمر هذا الانقضاض فلا تغفل ، وقيل : مواقع النجوم هي الأنواء التي يزعم الجاهلية [ ص: 153 ] أنهم يمطرون بها ، ولعله مأخوذ من بعض الآثار الواردة في سبب النزول وسنذكره إن شاء الله تعالى وليس نصا في إرادة الأنواء بل يجوز عليه أن يراد المغارب مطلقا .
وأخرج عبد الرزاق عن وابن جرير أنها منازلها ومجاريها على أن الوقوع النزول كما يقال : على الخبير سقطت وهو شائع والتخصيص لأن له تعالى في ذلك من الدليل على عظيم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به نطاق البيان ، وقال جماعة منهم قتادة : النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها . ابن عباس
وأخرج النسائي وابن جرير وصححه والحاكم في الشعب عنه أن قال : والبيهقي وفي لفظ «أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين » «ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوما ثم قرأ فلا أقسم بمواقع النجوم » وأيد هذا القول بأن الضمير في قوله تعالى بعد : إنه لقرآن يعود حينئذ على ما يفهم من مواقع النجوم حتى يكاد يعد كالمذكور صريحا ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال ، ووجه التخصيص أظهر من أن يخفى ، ولعل الكلام عليه من باب «وثناياك إنها إغريض ».
وقرأ وأهل ابن عباس المدينة وحمزة «بموقع » مفردا مرادا به الجمع . والكسائي