وقوله سبحانه : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص بيان لما هو مرضي عنده سبحانه وتعالى بعد بيان ما هو ممقوت عنده جل شأنه ، وظاهره يرجح أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال دون ما يقتضيه ما روي عن أو عن الضحاك في سبب النزول ، ويقتضي أن مناط التوبيخ هو إخلافهم لا وعدهم وصف مصدر وقع موقع اسم الفاعل ، أو اسم المفعول ، ونصبه على الحال من ضمير ابن زيد يقاتلون أي صافين أنفسهم أو مصفوفين ، وكأنهم إلخ حال من المستكن في الحال الأولى أي مشبهين في تلاصقهم ببنيان إلخ ، وهذا ما عناه بقوله : هما أي صفا وكأنهم إلخ حالان متداخلان ، وقول الزمخشري ابن المنير : إن معنى التداخل أن الحال الأولى مشتملة على الحال الثانية فإن هيئة الاتصاف هي هيئة الارتصاص خلاف المعروف من التداخل في اصطلاح النحاة ، وجوز أن يكون حالا ثانية من الضمير .
وقال : هو في موضع النعت - لصفا - وهو كما ترى ، والمرصوص على ما قال الحوفي الفراء ومنذر بن سعيد هو المعقود بالرصاص ، ويراد به المحكم ، وقال : رصصت البناء لاءمت بين أجزائه وقاربته حتى يصير كقطعة واحدة ، ومنه الرصيص وهو انضمام الأسنان ، والظاهر أن المراد تشبيههم في التحام بعضهم ببعض بالبنيان المرصوص من حيث إنهم لا فرجة بينهم ولا خلل ، وقيل : المراد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص ، والأكثرون على الأول ، وفي أحكام القرآن فيه استحباب قيام المجاهدين للقتال صفوفا كصفوف الصلاة وأنه يستحب سد الفرج والخلل في الصفوف ، وإتمام الصف الأول فالأول ، وتسوية الصفوف عدم تقدم بعض على بعض فيها ، وقال المبرد : استدل به بعضهم على أن قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان لأن التراص إنما يمكن منهم ، ثم قال : وهو ممنوع . انتهى ، ثم إن القتال على هذه الهيئة اليوم من أصول العساكر المحمدية النظامية لا زالت منصورة مؤيدة بالتأييدات الربانية ، وأنت تعلم أن للوسائل حكم المقاصد فما يتوصل به إلى تحصيل الاتصاف بذلك مما لا ينبغي أن يتكاسل في تحصيله ، وقرأ ابن الفرس [ ص: 85 ] زيد بن علي
يقاتلون بفتح التاء ، وقرئ - يقتلون - وقوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال