[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النبإ
وتسمى سورة عم، وعم يتساءلون، والتساؤل، والمعصرات، وهي مكية بالاتفاق، وآيها إحدى وأربعون في المكي والبصري، وأربعون في غيرهما. ووجه مناسبتها لما قبلها اشتمالها على إثبات القدرة على البعث الذي دل ما قبل على تكذيب الكفرة به، وفي تناسق الدرر وجه اتصالها بما قبل تناسبها معها في الجمل؛ فإن في تلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=16ألم نهلك الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=20ألم نخلقكم من ماء مهين nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25ألم نجعل الأرض كفاتا إلخ، وفي هذه:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=6ألم نجعل الأرض مهادا إلخ. مع اشتراكها والأربع قبلها في الاشتمال على وصف الجنة والنار وما وعد المدثر، وأيضا في سورة المرسلات:
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=12لأي يوم أجلت nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=13ليوم الفصل nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=14وما أدراك ما يوم الفصل وفي هذه:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=17إن يوم الفصل كان ميقاتا إلخ. ففيها شرح يوم الفصل المجمل ذكره فيا قبلها اه.
وقيل: إنه تعالى لما ختم تلك بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=50فبأي حديث بعده يؤمنون وكان المراد بالحديث فيه القرآن افتتح هذه بتهويل التساؤل عنه والاستهزاء به وهو مبني على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة أن المراد بالنبإ العظيم القرآن، والجمهور على أنه البعث؛ وهو الأنسب بالآيات بعد كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=28760_29049nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1عم أصله: عما على أنه حرف جر دخل على «ما» الاستفهامية فحذفت الألف وعلل بالتفرقة بينها وبين الخبرية والإيذان بشدة الاتصال وكثرة الدوران، وحال العلل النحوية معلوم. وقد قرأ
عبد الله، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16747وعيسى بالألف على الأصل وهو قليل الاستعمال، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني: [ ص: 3 ] إثبات الألف أضعف اللغتين. وعليه قوله:
علام قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد
والاستفهام بالإيذان بفخامة شأن المسؤول عنه وهو له، وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة؛ أي عن أي شيء عظيم الشأن
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1يتساءلون الضمير لأهل
مكة، وإن لم يسبق ذكرهم للاستغناء عنه بحضورهم حسا مع ما في الترك على ما قيل من التحقير والإهانة لإشعاره بأن ذكرهم مما يصان عنه ساحة الذكر الحكيم، ولا يتوهم العكس لمنع المقام عنه، وكانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم ويخوضون فيه إنكارا واستهزاء، لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله ووصف من أوصافه.
و «ما» كما مر غير مرة وإن اشتهرت في طلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها لكنها قد يطلب بها الصفة والحال فيقال: ما
زيد؟ ويجاب بعالم أو طبيب، وقيل: كانوا يتساءلون الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين استهزاء، فالتساؤل متعد ومفعوله مقدر هنا وحذف لظهوره أو لأن المستعظم السؤال بقطع النظر عمن سأل أو لصون المسؤول عن ذكره مع هذا السائل، وتحقيق ذلك على ما في الإرشاد أن صيغة التفاعل في الأفعال المتعدية لإفادة صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلا ومفعولا معا، لكنه يرفع المتعدد على الفاعلية ترجيحا لجانب فاعليته، وتحال مفعوليته على دلالة الفعل كما في قولك: تراءى القوم، أي: رأى كل واحد منهم الآخر، وقد تجرد عن المعنى الثاني فيراد بها مجرد صدور الفعل عن المتعدد عاريا عن اعتبار وقوعه عليه فيذكر للفعل حينئذ مفعول كما في قولك: تراءوا الهلال. وقد يحذف كما فيما نحن فيه؛ فالمعنى: عن أي شيء يسأل هؤلاء القوم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين، وربما تجرد عن صدور الفعل عن المتعدد أيضا فيراد بها تعدده باعتبار تعدد متعلقه مع وحدة الفاعل كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=55فبأي آلاء ربك تتمارى وذكر بعض المحققين أنه قد يكون لصيغة التفاعل على الوجه الأول مفعول أيضا لكنه غير الذي فعل به مثل فعله كما في: تعاطيا الكأس، وتفاوضا الحديث، وعليه قول
امرئ القيس: فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
فمن قال إن تفاعل لا يكون إلا من اثنين ولا يكون إلا لازما فقط غلط كما قال
البطليوسي في شرح أدب الكاتب إن أراد ذلك على الإطلاق وليت شعري كيف يصح ذلك مع أن مجيء تفاعل بمعنى فعل غير متعدد الفاعل كتوانى
زيد وتدانى الأمر وتعالى الله عما يشركون كثير جدا، وكذا مجيئه متعديا إلى غير الذي فعل به مثل فعله كما سمعت، وجوز أن يكون ضمير: ( يتساءلون ) للناس عموما سواء كانوا كفار مكة وغيرهم من المسلمين، وسؤال المسلمين ليزدادوا خشية وإيمانا، وسؤال غيرهم استهزاء ليزدادوا كفرا وطغيانا وهو خلاف ما يقتضيه ظاهر الآيات بعد. وقيل: كان التساؤل عن القرآن، وتعقب بأن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=6ألم نجعل الأرض إلخ ظاهر في أنه كان عن البعث وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أيضا لأنه من أدلته، وأجيب بأن تساؤلهم عنه واستهزاؤهم به واختلافهم فيه بأنه سحر أو شعر كان لاشتماله على الإخبار بالبعث فبعد أن ذكر ما يفيد استعظام التساؤل عنه تعرض الدليل ما هو منشأ لذلك التساؤل وفيه بعد.
[ ص: 2 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ النَّبَإِ
وَتُسَمَّى سُورَةَ عَمَّ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَالتَّسَاؤُلِ، وَالْمُعْصِرَاتِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَآيُهَا إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ فِي الْمَكِّيِّ وَالْبَصْرِيِّ، وَأَرْبَعُونَ فِي غَيْرِهِمَا. وَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا اشْتِمَالُهَا عَلَى إِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَعْثِ الَّذِي دَلَّ مَا قَبْلُ عَلَى تَكْذِيبِ الْكَفَرَةِ بِهِ، وَفِي تَنَاسُقِ الدُّرَرِ وَجْهُ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلُ تَنَاسُبُهَا مَعَهَا فِي الْجُمَلِ؛ فَإِنَّ فِي تِلْكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=16أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=20أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=25أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا إِلَخْ، وَفِي هَذِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=6أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا إِلَخْ. مَعَ اشْتِرَاكِهَا وَالْأَرْبَعِ قَبْلَهَا فِي الِاشْتِمَالِ عَلَى وَصْفِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَمَا وُعِدَ الْمُدَّثِّرُ، وَأَيْضًا فِي سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=12لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=13لِيَوْمِ الْفَصْلِ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=14وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَفِي هَذِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=17إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا إِلَخْ. فَفِيهَا شَرْحُ يَوْمِ الْفَصْلِ الْمُجْمَلِ ذِكْرُهُ فَيَا قَبْلَهَا اه.
وَقِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَتَمَ تِلْكَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=50فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ فِيهِ الْقُرْآنَ افْتَتَحَ هَذِهِ بِتَهْوِيلِ التَّسَاؤُلِ عَنْهُ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّبَإِ الْعَظِيمِ الْقُرْآنُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ الْبَعْثُ؛ وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِالْآيَاتِ بَعْدُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28760_29049nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1عَمَّ أَصْلُهُ: عَمَّا عَلَى أَنَّهُ حَرْفُ جَرٍّ دَخَلَ عَلَى «مَا» الِاسْتِفْهَامِيَّةِ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَعُلِّلَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِيَّةِ وَالْإِيذَانِ بِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ وَكَثْرَةِ الدَّوَرَانِ، وَحَالُ الْعِلَلِ النَّحْوِيَّةِ مَعْلُومٌ. وَقَدْ قَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ، nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيٌّ، nindex.php?page=showalam&ids=16584وَعِكْرِمَةُ nindex.php?page=showalam&ids=16747وَعِيسَى بِالْأَلِفِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّيٍّ: [ ص: 3 ] إِثْبَاتُ الْأَلِفِ أَضْعَفُ اللُّغَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ:
عَلَاَمَ قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَادِ
وَالِاسْتِفْهَامُ بِالْإِيذَانِ بِفَخَامَةِ شَأْنِ الْمَسْؤُولِ عَنْهُ وَهُوَ لَهُ، وَخُرُوجُهُ عَنْ حُدُودِ الْأَجْنَاسِ الْمَعْهُودَةِ؛ أَيْ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ عَظِيمِ الشَّأْنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1يَتَسَاءَلُونَ الضَّمِيرُ لِأَهْلِ
مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ ذِكْرُهُمْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِحُضُورِهِمْ حِسًّا مَعَ مَا فِي التَّرْكِ عَلَى مَا قِيلَ مِنَ التَّحْقِيرِ وَالْإِهَانَةِ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ ذِكْرَهُمْ مِمَّا يُصَانُ عَنْهُ سَاحَةُ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ الْعَكْسُ لِمَنْعِ الْمَقَامِ عَنْهُ، وَكَانُوا يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْبَعْثِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَخُوضُونَ فِيهِ إِنْكَارًا وَاسْتِهْزَاءً، لَكِنْ لَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّسَاؤُلِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَمُسَمَّاهُ بَلْ عَنْ وُقُوعِهِ الَّذِي هُوَ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ وَوَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهِ.
وَ «مَا» كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ وَإِنِ اشْتُهِرَتْ فِي طَلَبِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَمُسَمَّيَاتِ أَسْمَائِهَا لَكِنَّهَا قَدْ يُطْلَبُ بِهَا الصِّفَةُ وَالْحَالُ فَيُقَالُ: مَا
زَيْدٌ؟ وَيُجَابُ بِعَالِمٍ أَوْ طَبِيبٍ، وَقِيلَ: كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ اسْتِهْزَاءً، فَالتَّسَاؤُلُ مُتَعَدٍّ وَمَفْعُولُهُ مُقَدَّرٌ هُنَا وَحُذِفَ لِظُهُورِهِ أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَعْظِمَ السُّؤَالَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّنْ سَأَلَ أَوْ لِصَوْنِ الْمَسْؤُولِ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ هَذَا السَّائِلِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْإِرْشَادِ أَنَّ صِيغَةَ التَّفَاعُلِ فِي الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ لِإِفَادَةِ صُدُورِ الْفِعْلِ عَنِ الْمُتَعَدِّدِ وَوُقُوعِهِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا مَعًا، لَكِنَّهُ يُرْفَعُ الْمُتَعَدِّدُ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ فَاعِلِيَّتِهِ، وَتُحَالُ مَفْعُولِيَّتُهُ عَلَى دَلَالَةِ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْلِكَ: تَرَاءَى الْقَوْمُ، أَيْ: رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْآخَرَ، وَقَدْ تَجَرَّدَ عَنِ الْمَعْنَى الثَّانِي فَيُرَادُ بِهَا مُجَرَّدُ صُدُورِ الْفِعْلِ عَنِ الْمُتَعَدِّدِ عَارِيًا عَنِ اعْتِبَارِ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ فَيُذْكَرُ لِلْفِعْلِ حِينَئِذٍ مَفْعُولٌ كَمَا فِي قَوْلِكَ: تَرَاءُوا الْهِلَالَ. وَقَدْ يُحْذَفُ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ فَالْمَعْنَى: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ يَسْأَلُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَرُبَّمَا تَجَرَّدَ عَنْ صُدُورِ الْفِعْلِ عَنِ الْمُتَعَدِّدِ أَيْضًا فَيُرَادُ بِهَا تَعَدُّدُهُ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهِ مَعَ وَحْدَةِ الْفَاعِلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=55فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِصِيغَةِ التَّفَاعُلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَفْعُولٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ غَيْرُ الَّذِي فَعَلَ بِهِ مِثْلَ فِعْلِهِ كَمَا فِي: تَعَاطَيَا الْكَأْسَ، وَتَفَاوَضَا الْحَدِيثَ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ: فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الْحَدِيثَ وَأَسْمَحَتْ هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَمَارِيخَ مَيَّالِ
فَمَنْ قَالَ إِنَّ تَفَاعَلَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا لَازِمًا فَقَطْ غَلِطَ كَمَا قَالَ
الْبَطْلَيُوسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْكَاتِبِ إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَجِيءَ تَفَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ غَيْرِ مُتَعَدِّدِ الْفَاعِلِ كَتَوَانَى
زَيْدٌ وَتَدَانَى الْأَمْرُ وَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ كَثِيرٌ جِدًّا، وَكَذَا مَجِيئُهُ مُتَعَدِّيًا إِلَى غَيْرِ الَّذِي فَعَلَ بِهِ مِثْلَ فِعْلِهِ كَمَا سَمِعْتَ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ: ( يَتَسَاءَلُونَ ) لِلنَّاسِ عُمُومًا سَوَاءٌ كَانُوا كُفَّارَ مَكَّةَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَسُؤَالُ الْمُسْلِمِينَ لِيَزْدَادُوا خَشْيَةً وَإِيمَانًا، وَسُؤَالُ غَيْرِهِمُ اسْتِهْزَاءً لِيَزْدَادُوا كُفْرًا وَطُغْيَانًا وَهُوَ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَاتِ بَعْدُ. وَقِيلَ: كَانَ التَّسَاؤُلُ عَنِ الْقُرْآنِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=6أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ إِلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ عَنِ الْبَعْثِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ أَدِلَّتِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَسَاؤُلَهُمْ عَنْهُ وَاسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِ وَاخْتِلَافَهُمْ فِيهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ أَوْ شِعْرٌ كَانَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ فَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا يُفِيدُ اسْتِعْظَامَ التَّسَاؤُلِ عَنْهُ تَعَرَّضَ الدَّلِيلُ مَا هُوَ مَنْشَأٌ لِذَلِكَ التَّسَاؤُلِ وَفِيهِ بُعْدٌ.