يوم يقوم الروح والملائكة صفا قيل: الروح خلق أعظم من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين، وقيل: هو ملك ما خلق الله عز وجل بعد العرش خلقا أعظم منه، عن أنه إذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا والملائكة صفا، وعن ابن عباس أنه لو فتح فاه لوسع جميع الملائكة عليهم السلام. الضحاك
وأخرج ابن أبي حاتم في العظمة وأبو الشيخ عن وابن مردويه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ابن عباس «الروح جند من جنود الله تعالى ليسوا ملائكة لهم رؤوس وأيد وأرجل».
وفي رواية: «يأكلون الطعام» ثم قرأ: يوم يقوم الروح والملائكة صفا وقال: «هؤلاء جند، وهؤلاء جند».
وروي القول بهذا عن مجاهد وأبي صالح. وقيل: هم أشراف الملائكة، وقيل: هم حفظة الملائكة، وقيل: ملك موكل على الأرواح، قال في الأحياء: الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجسام؛ فإنه يتنفس فيكون في كل نفس من أنفاسه روح في جسم، وهو حق يشاهده أرباب القلوب ببصائرهم، وأخرج عن أبو الشيخ أنه الضحاك جبريل عليه السلام، وهو قول فقد أخرج هو عنه أيضا أنه قال: إن لابن عباس؛ جبريل عليه السلام يقوم القيامة لقائم بين يدي الجبار ترعد فرائصه فرقا من عذاب الله تعالى يقول: سبحانك لا إله إلا أنت ما عبدناك حق عبادتك، وإن ما بين منكبيه كما بين المشرق والمغرب، أما سمعت قول الله تعالى: يوم يقوم الروح والملائكة صفا .
وفي رواية في الأسماء والصفات عنه أن المراد به أرواح الناس، وأن قيامها مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد إلى الأجساد وهو خلاف الظاهر في الآية جدا، ولعله لا يصح عن الحبر، وقيل: القرآن وقيامه مجاز عن ظهور آثاره الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز مع ما لا يخفى، ولم يصح عندي فيه هنا شيء. البيهقي
و ( يوم ) ظرف ل ( لا يملكون ) و ( صفا ) حال؛ أي: مصطفين، قيل: هما صفان الروح صف واحد أو متعدد، والملائكة صف آخر، وقيل: صفوف، وهو الأوفق؛ لقوله تعالى: والملك صفا صفا وقيل: يوم يقوم الروح والملائكة الكل صفا واحدا، وجوز أن يكون ظرفا لقوله تعالى لا يتكلمون وقوله سبحانه: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا بدل من ضمير لا يتكلمون وهو عائد إلى أهل السماوات والأرض الذين من جملتهم الروح والملائكة، وذكر قيامهم مصطفين لتحقيق عظمة سلطانه تعالى وكبرياء ربوبيته عز وجل وتهويل يوم البعث الذي عليه مدار الكلام من مطلع السورة الكريمة إلى مقطعها، والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى: ( لا يملكون ) إلخ. ومؤكد له على معنى أن أهل السماوات والأرض إذا لم يقدروا حينئذ أن يتكلموا بشيء من جنس الكلام إلا من أذن الله تعالى له منهم في التكلم مطلقا، وقال ذلك المأذون له بعض الإذن في مطلق التكلم قولا صوابا؛ أي: حقا من فكيف يملكون خطاب رب العزة جل جلاله مع كونه أخص من مطلق الكلام وأعز منه مراما، وجوز أن يكون ضمير الشفاعة لمن ارتضى لا يتكلمون إلى: الروح والملائكة والكلام مقرر لمضمون قوله تعالى: ( لا يملكون ) إلخ أيضا لكن على معنى أن الروح والملائكة مع كونهم أفضل الخلائق وأقربهم من الله تعالى إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما هو صواب من الشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه فكيف يملكه غيرهم وذكر بعض أهل السنة فتعقب بأنه مبني على مذهب الاعتزال من كون الملائكة عليهم السلام أفضل من البشر مطلقا، [ ص: 21 ] وأنت تعلم أن من أهل السنة أيضا من ذهب إلى هذا كأبي عبد الله الحليمي والقاضي أبي بكر الباقلاني والإمام الرازي، ونسب إلى القاضي وكلامه في التفسير هنا لا يخلو عن إغلاق، وتصدى من تصدى لتوجيهه وأطالوا في ذلك على أن الخلاف في البيضاوي، بمعنى كثرة الثواب وما يترتب عليها من كونهم أكرم على الله تعالى وأحبهم إليه سبحانه لا بمعنى قرب المنزلة ودخول حظائر القدس ورفع ستارة الملكوت بالاطلاع على ما غاب عنا، والمناسبة في النزاهة وقلة الوسائط ونحو ذلك فإنهم بهذا الاعتبار أفضل بلا خلاف، وكلام ذلك البعض يحتمل أن يكون مبنيا عليه، وهذا كما نشاهده من حال خدام الملك وخاصة حرمه فإنهم أقرب إليه من وزرائه والخارجين من أقربائه وليسوا عنده بمرتبة واحدة، وإن زادا في التبسط والدلال عليه، وعن أفضليتهم أن ضمير ابن عباس لا يتكلمون للناس، وجوز أن يكون إلا من أذن إلخ منصوبا على أصل الاستثناء، والمعنى: لا يتكلمون إلا في حق شخص أذن له الرحمن، وقال ذلك الشخص في الدنيا صوابا أي حقا هو التوحيد وقول لا إله إلا الله كما روي عن ابن عباس وعليه قيل: وعكرمة
يجوز أن يكون: ( قال صوابا ) في موضع الحال ممن بتقدير قد أو بدونه لا عطفا على ( أذن ) ومن الناس من جوز الحالية على الوجه الأول أيضا لكن من ضمير يتكلمون باعتبار كل واحد أو باعتبار المجموع وظن أن قول بعضهم المعنى لا يتكلمون بالصواب إلا بإذنه لا يتم بدون ذلك وفيه ما فيه، وقيل: جملة: لا يتكلمون حال من: الروح والملائكة أو من ضميرهم في: صفا والجمهور على ما تقدم، وإظهار الرحمن في موقع الإضمار للإيذان بأن مناط الإذن هو الرحمة البالغة لا أن أحدا يستحقه عليه سبحانه وتعالى كما أن ذكره فيما تقدم بالإشارة إلى أن الرحمة مناط تربيته عز وجل.