وبث الخلق فيها إذ دحاها فهم قطانها حتى التنادي
وقيل: دحاها سواها، وأنشدوا قول زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها بأيد وأرسى عليها الجبالا
وفي الكشف: أطبق أهل التفسير أنه تم خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام، ثم خلق السماء في يومين إلا ما نقل في البسيط عن الواحدي أن خلق السماء مقدم على إيجاد الأرض فضلا عن دحوها، والكلام مع من فرق بين الإيجاد والدحو وما قيل إن دحو الأرض متأخر عن خلق السماء لا عن تسويتها يرد عليه بعد ذلك فإنه إشارة إلى السابق وهو رفع السمك والتسوية، والجواب بتراخي الرتبة لا يتم لما نقل من إطباق المفسرين، فالوجه أن يجعل «الأرض» منصوبا بمضمر نحو: تذكر وتدبر واذكر الأرض بعد ذلك، وإن جعل مضمرا على شريطة التفسير جعل بعد ذلك إشارة إلى المذكور سابقا من ذكر خلق السماء لا خلق السماء نفسه ليدل على أنه متأخر في الذكر عن خلق السماء تنبيها على أنه قاصر في الدلالة عن الأول لكنه تتميم كما تقول جملا ثم تقول بعد ذلك كيت وكيت، وهذا كثير في استعمال العرب والعجم وكان بعد ذلك بهذا [ ص: 34 ] المعنى عكسه إذا استعمل لتراخي الرتبة، وقد تستعمل «ثم» بهذا المعنى وكذا الفاء وهذا لا ينافي قول مقاتل إنه تعالى خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السماوات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض؛ وذلك قوله تعالى: الحسن: كانتا رتقا ففتقناهما الآية.
فإنه يدل على أن كون السماء دخانا سابق على دحو الأرض وتسويتها وهو كذلك بل ظاهر قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء وهي دخان يدل على ذلك، وإيجاد الجوهرة النورية والنظر إليها بعين الجلال المبطن بالرحمة والجمال وذوبها وامتياز لطيفها عن كثيفها وصعود المادة الدخانية اللطيفة وبقاء الكثيف هذا كله سابق على الأيام الستة، وثبت في الخبر الصحيح ولا ينافي الآيات، وأما ما نقله عن الواحدي واختاره مقاتل الإمام فلا إشكال فيه، ويتعين ثم في سورتي البقرة والسجدة على تراخي الرتبة وهو أوفق لمشهور قواعد الحكماء، لكن لا يوافق ما روي أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، ودحاها وخلق ما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وخلق السماوات وما فيها في يوم الخميس والجمعة، وفي آخر يوم الجمعة ثم خلق آدم عليه السلام انتهى. والذي أميل إليه أن تسوية السماء بما فيها سابقة على تسوية الأرض بما فيها؛ لظهور أمر العلية في الأجرام العلوية وأمر المعلولية في الأجرام السفلية، ويعلم تأويل ما ينافي ذلك مما سمعت، وأما الخبر الأخير ففي صحته مقال، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، وقد مر شيء مما يتعلق بهذا المقام، وإنما أعدنا الكلام فيه تذكيرا لذوي الأفهام فتأمل. والله تعالى الموفق لتحصيل المرام.