ثم إن هذا كلام في غاية الإيجاز، وقد قال جار الله: لا ترى أسلوبا أغلظ منه ولا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه ولا أجمع للأئمة على قصر متنه حيث اشتمل على ما سمعت من الدعاء مرادا إذ لا يتصور منه تعالى لازمه وعلى التعجب المراد به لاستحالته عليه سبحانه التعجيب لكل سامع. وقالالإمام: إن الجملة الأولى تدل على استحقاقهم أعظم أنواع العقاب عرفا، والثانية تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعا، ولم يسمع ذلك قبل نزول القرآن وما نسب إلى امرئ القيس من قوله:
يتمنى المرء في الصيف الشتا فإذا جاء الشتا أنكره فهو لا يرضى بحال واحد
قتل الإنسان ما أكفره
[ ص: 44 ] لا أصل له، ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي، وجوز بعضهم أن يكون قوله تعالى: قتل الإنسان خبرا عن أنه سيقتل الكفار بإنزال آية القتال، وعبر بالماضي مبالغة في أنه سيتحقق ذلك وليس بشيء، ونحوه ما قيل إن ما استفهامية؛ أي: أي شيء أكفره؛ أي: جعله كافرا بمعنى لا شيء يسوغ له أن يكفر.