وقوله تعالى: من أي شيء خلقه شروع في بيان إفراطه في الكفران بتفصيل ما أفاض عز وجل عليه من مبدأ فطرته إلى منتهى عمره من فنون النعم الموجبة لأن تقابل بالشكر والطاعة مع إخلاله، والاستفهام قيل للتحقير، وذكر الجواب؛ أعني قوله تعالى: من نطفة خلقه لا يقتضي أنه حقيقي لأنه ليس بجواب في الحقيقة، بل على صورته وهو بدل من قوله سبحانه: من أي شيء خلقه وجوز أن يكون للتقرير والتحقير مستفاد من «شيء» المنكر، وقيل التحقير يفهم أيضا من قوله سبحانه: من نطفة إلخ؛ أي: من أي شيء حقير مهين خلقه؛ من نطفة مذرة خلقه.
فقدره فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والأشكال فالتقدير بمعنى التهيئة لما يصلح ولذا ساغ عطفه بالفاء دون التسوية؛ لأن الخلق بمعنى التقدير بهذا المعنى أو يتضمنه فلا تصلح الفاء، وجوز أن يكون هذا تفصيلا لما أجمل أولا في قوله تعالى: من أي شيء خلقه أي: فقدره أطوارا إلى أن أتم خلقه.