وجيء يومئذ بجهنم قيل: هو كقوله تعالى: وبرزت الجحيم لمن يرى على أن يكون مجيئها متجوزا به عن إظهارها واختير أنه على حقيقته.
فقد أخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وابن مردويه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ابن مسعود «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها». وفي رواية بزيادة: «حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير».
وجاء في بعض الآثار: جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فناجاه ثم قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم للصلاة منكسر الطرف، فسأله فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: «أتاني علي كرم الله تعالى وجهه جبريل عليه السلام بهذه الآية: كلا إذا دكت الأرض الآية... فقال له كيف يجاء بها؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام يقوده سبعون ألف ملك، فبينما هم كذلك إذ شردت عليهم شردة انفلتت من أيديهم فلولا أنهم أدركوها فأخذوها لأحرقت من في الجمع». علي كرم الله تعالى وجهه:
وفي رواية: «لولا أن الله تعالى حبسها لأحرقت السماوات والأرض». أن
وتأويل كل ما ذكر ونحوه مما ورد وحمله على المجاز لا يدعو إليه إلا استحالة الانتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي على جهنم وهو لعمري غير مستحيل، فيجوز أن تخرج وتنتقل من محلها في المحشر ثم تعود إليه، والحال في ذلك اليوم وراء ما تتخيله الأذهان.
يومئذ بدل من إذا دكت وظاهر كلام أن العامل فيه هو العامل نفسه في المبدل منه، أعني قوله تعالى: الزمخشري يتذكر الإنسان وهو قول قد نسب إلى وفي البحر: المشهور خلافه؛ وهو أن البدل على نية تكرار العامل والظاهر عندي الأول، ويتذكر من الذكر ضد النسيان؛ أي: يتذكر الإنسان ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره وأحكامه، أو بإحضار الله تعالى إياه في ذهنه وإخطاره له وإن لم يشاهد بعد أثرا أو بمعاينة عينه بناء على أن الأعمال تتجسم في النشأة الآخرة فتبرز بما يناسبها من الصور حسنا وقبحا أو من [ ص: 129 ] التذكر بمعنى الاتعاظ؛ أي: يتعظ بما يرى من آثار قدرة الله عز وجل وعظيم عظمته تعالى وشأنه. سيبويه.
وقوله تعالى: وأنى له الذكرى اعتراض جيء به لتحقيق أنه ليس بتذكر حقيقة لعرائه عن الجدوى لعدم وقوعه في أوانه. ( وأنى ) خبر مقدم و ( الذكرى ) مبتدأ ( وله ) متعلق بما تعلق به الخبر؛ أي: ومن أين تكون له الذكرى وقد فات أوانها، وقيل: هناك مضاف محذوف؛ أي: وأنى له منفعة الذكرى ولا بد من تقديره لئلا يكون تناقض، وقد علمت أن هذا يتحقق بما قرر أولا على أنه إذا جعل اختصاص اللام مقتصرا على النافع استقام من غير تقدير، ويكون إنكار أن تكون الذكرى له لا عليه. وأما كونه حكاية لما كان عليه في الدنيا من عدم الاعتبار والاتعاظ فليس بشيء. واستدل بالآية على أن كما زعم التوبة من حيث هي توبة غير واجبة القبول عقلا المعتزلة بناء على وجوب الأصلح عندهم، وقيل في توجيهه: إنه لو وجب قبولها لوجب قبول هذا التذكر؛ فإنه توبة؛ إذ هي كما بين في محله الندم على المعصية من حيث هي معصية، والعزم على أن لا يعود لها إذا قدر عليها ولم يعتبر أحد في تعريفها كونها في الدنيا وإن كانت النافعة منها لا تكون إلا فيها، وهذا التذكر هو عين الندم المذكور. وقد صرح كما أخرجه عنه الضحاك بأنه توبة ولم تقبل لعدم ترتب المنفعة عليه التي هي من لوازم القبول، واعترض بأن ابن أبي حاتم المعتزلة إنما يقولون بوجوب قبولها بشرط عدم رفع التكاليف وقيل: إن تذكره ليس من التوبة في شيء؛ فإنه عالم بأنها إنما تكون في الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى: