يقول يا ليتني قدمت لحياتي ويعلم ما فيه مما تقدم من توجيه الاستدلال فلا تغفل.
وهذه الجملة بدل اشتمال من «يتذكر» أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ منه كأنه قيل: ماذا يقول عند تذكره؟ فقيل: يقول: يا ليتني إلخ. واللام للتعليل، والمراد بحياته حياته في الآخرة، ومفعول «قدمت» محذوف؛ فكأنه قال: يا ليتني قدمت لأجل حياتي هذه أعمالا صالحة أنتفع بها فيها. وقيل: اللام للتعليل إلا أن المعنى: يا ليتني قدمت أعمالا صالحة لأجل أن أحيا حياة نافعة، وقال ذلك لأنه لا يموت ولا يحيا حينئذ وهو كما ترى.
ويجوز أن تكون اللام توقيتية مثلها في نحو: كتبته لخمس عشرة ليلة مضين من المحرم، وجئت لطلوع الشمس، ويكون المراد بحياته حياته في الدنيا؛ أي: يا ليتني قدمت وعملت أعمالا صالحة وقت حياتي في الدنيا لأنتفع بها اليوم، وليس في هذا التمني شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله، وإنما يدل على اعتقاد كونه متمكنا من تقديم الأعمال الصالحة، وإما أن ذلك بمحض قدرته تعالى أو بخلق الله عز وجل عند صرف قدرته الكاسبة إليه فكلا، وزعمه دليلا على الاستقلال ورد به على المجبرة وهم عنده غير الزمخشري المعتزلة زعما منه المنافاة بين التمني والحجر. وقد علمت أنه لا دلالة على ذلك. وفي الكشف أن التمني قد يقع على المستحيل على أنه حالتئذ كالغريق، هذا وأهل الحق لا يقولون بسلب الاختيار بالكلية.