مكية وآيها تسع بلا خلاف في الأمرين. ولما ذكر سبحانه فيما قبلها أن الإنسان سوى من استثنى في خسر بين عز وجل فيها أحوال بعض الخاسرين فقال عز من قائل:
بسم الله الرحمن الرحيم ويل لكل همزة لمزة تقدم الكلام على إعراب مثل هذه الجملة، والهمز الكسر كالهزم، واللمز الطعن كاللهز شاعا في الكسر من أعراض الناس والغض منهم واغتيابهم والطعن فيهم، وأصل ذلك كان استعارة لأنه لا يتصور الكسر والطعن الحقيقيان في الأجسام، فصار حقيقة عرفية ذلك وبناء فعلة يدل على الاعتياد فلا يقال: ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود قال زياد الأعجم:
إذا لقيتك عن شحط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه
[ ص: 230 ] وأخرج ابن جرير وجماعة عن وابن المنذر أنه سئل عن ذلك فقال: هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الإخوان. ابن عباس
وأخرج ابن أبي حاتم وغيرهما عن وعبد بن حميد الهمزة الطعان في الناس واللمزة الطعان في الأنساب. مجاهد:
وأخرج عن عبد بن حميد الهمز في الوجه واللمز في الخلف، وأخرج أبي العالية: في الشعب عن البيهقي الهمز بالعين والشدق واليد، واللمز باللسان. وقيل غير ذلك وما تقدم أجمع. ابن جريج:
وقرأ رضي الله تعالى عنه: «ويل لكل همزة لمزة» بسكون الميم فيهما على البناء الشائع في معنى المفعول وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم ويهمز ويلمز، ونزل ذلك على ما أخرج الباقر من طريق ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق عثمان بن عمر في أبي بن خلف، وعلى ما أخرج عن في السدي أبي بن عمرو الثقفي الشهير بالأخنس بن شريق فإنه كان مغتابا كثير الوقيعة وعلى ما قال في ابن إسحاق أمية بن خلف الجمحي وكان يهمز النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويعيبه، وعلى ما أخرج وغيره عن ابن جرير في مجاهد جميل بن عامر، وعلى ما قيل في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وغضه منه، وعلى قول في العاص بن وائل، ويجوز أن يكون نازلا في جميع من ذكر لكن استشكل نزولها في الأخنس بأنه على ما صححه ابن حجر في الإصابة أسلم وكان من المؤلفة قلوبهم فلا يتأتى الوعيد الآتي في حقه، فإما أن لا يصح ذلك أو لا يصح إسلامه. وأيضا استشكلت قراءة رضي الله تعالى عنه بناء على ما سمعت في معناها، وكون الآية نازلة في الباقر الوليد بن المغيرة ونحوه من عظماء قريش وبه اندفع ما في التأويلات من أنه كيف عيب الكافر بهذين الفعلين مع أن فيه حالا أقبح منهما وهو الكفر، وأما ما أجاب به من أن الكفر غير قبيح لنفسه بخلافهما فلا يخفى ضعفه لأن فوت الاعتقاد الصحيح أقبح من كل شيء قبيح.