ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت عساكركم في الهالكين تجول
(ويسومونكم) من السوم، وأصله الذهاب للطلب، ويستعمل للذهاب وحده تارة، ومنه السائمة، وللطلب أخرى، ومنه السوم في البيع، ويقال : سامه كلفه العمل الشاق، والسوء مصدر ساء يسوء، ويراد به السيء، ويستعمل في كل ما يقبح، كأعوذ بالله تعالى من سوء الخلق، (وسوء العذاب) أفظعه وأشده بالنسبة إلى سائره، وهو منصوب على المفعولية، ليسومونكم بإسقاط حرف الجر، أو بدونه، والجملة يحتمل أن تكون مستأنفة، وهي حكاية حال ماضية، ويحتمل أن تكون في موضع الحال من ضمير أنجيناكم، أو من آل فرعون، وهو الأقرب، والمعنى: يولونكم أو يكلفونكم الأعمال الشاقة، والأمور الفظيعة، أو يرسلونكم إليها، ويصرفونكم فيها، أو يبغونكم سوء العذاب المفسر بما بعده، وقد حكي أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وخولا، وصنفهم في الأعمال، فصنف يبنون، وصنف يحرثون، وصنف يخدمون، ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليه الجزية يؤديها كل يوم، ومن غربت عليه الشمس قبل أن يؤديها غلت يده إلى عنقه شهرا، وجعل النساء يغزلن الكتان وينسجن، يذبحون أبناءكم جملة حالية أو استئنافية كأنه قيل : ما الذي ساموهم إياه فقال : [ ص: 254 ] (يذبحون) إلخ، ويجوز أن تخرج على إبدال الفعل من الفعل كما في قوله تعالى : يلق أثاما يضاعف له العذاب وقيل : بالعطف، وحذف حرفه لآية إبراهيم، والمحققون على الفرق، وحملوا (سوء العذاب) فيها على التكاليف الشاقة غير الذبح، وعطف للتغاير، واعتبر هناك لا هنا على رأيهم لسبق وذكرهم بأيام الله وهو يقتضي التعداد، وليس هنا ما يقتضيه، والأبناء الأطفال الذكور، وقيل: إنهم الرجال، هذا وسموا أبناء باعتبار ما كانوا قبل، وفي بعض الأخبار أنه قتل أربعين ألف صبي، وحكي أنه كان يقتل الرجال الذين يخاف منهم الخروج والتجمع لإفساد أمره، والمشهور حمل الأبناء على الأول، وهو المناسب المتبادر، وفي سبب ذلك أقوال وحكايات مختلفة، ومعظمها يدل على أن فرعون خاف من ذهاب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل، ففعل ما فعل، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وقرأ الزهري وابن محيصن (يذبحون) مخففا، وعبد الله (يقتلون) مشددا، ويستحيون نساءكم عطف على يذبحون أي يستبقون بناتكم، ويتركونهن حيات وقيل : يفتشون في حيائهن ينظرون هل بهن حمل، والحياء الفرج، لأنه يستحى من كشفه، والنساء جمع المرأة، وفي البحر إنه جمع تكسير لنسوة على وزن فعلة، جمع قلة، وزعم ابن السراج أنه اسم جمع، وعلى القولين لم يلفظ له بواحد من لفظه، وهي في الأصل البالغات دون الصغائر، فهي على الوجه الأول مجاز باعتبار الأول للإشارة إلى أن استبقاءهم كان لأجل أن يصرن نساء لخدمتهم، وعلى الثاني فيه تغليب البالغات على الصغائر، وعلى الثالث حقيقة، وقدم الذبح لأنه أصعب الأمور، وأشقها عند الناس، وإن كان ذلك الاستحياء أعظم من القتل لدى الغيور.وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم إشارة إلى التذبيح والاستحياء، أو إلى الإنجاء، وجمع الضمير للمخاطبين، ويجوز أن يشار (بذلكم) إلى الجملة، وأصل البلاء الاختبار، وإذا نسب إليه تعالى يراد منه ما يجري مجراه مع العباد على المشهور، وهو تارة يكون بالمسار ليشكروا، وتارة بالمضار ليصبروا، وتارة بهما ليرغبوا، ويرهبوا، فإن حملت الإشارة على المعنى الأول فالمراد بالبلاء المحنة، وإن على الثاني فالمراد به النعمة، وإن على الثالث فالمراد به القدر المشترك كالامتحان الشائع بينهما، ويرجح الأول التبادر، والثاني أنه في معرض الامتنان، والثالث لطف جمع الترغيب والترهيب، ومعنى من ربكم من جهته تعالى إما بتسليطهم عليكم، أو ببعث موسى عليه السلام وتوفيقه لتخليصكم، أو بهما جميعا، (وعظيم) صفة بلاء، وتنكيرهما للتفخيم، والعظم بالنسبة للمخاطب والسامع لا بالنسبة إليه تعالى، لأنه العظيم الذي لا يستعظم شيئا،