وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وتعديته إليهما مثل أن تقول : استسقى زيد ربه الماء، لم نجدها في شيء من كلام العرب، واللام متعلقة بالفعل، وهي سببية، أي لأجل قومه، فقلنا اضرب بعصاك الحجر أي فأجبناه، فقلنا إلخ، والعصا مؤنث، والألف منقلبة عن واو، بدليل عصوان، وعصوته أي ضربته بالعصا، ويجمع على أفعل شذوذا، وعلى فعول قياسا فيقال : أعص وعصي، وتتبع حركة العين حركة الصاد، والحجر هو هذا الجسم المعروف، وجمعه أحجار وحجار وقالوا : حجارة، واشتقوا منه فقالوا : استحجر الطين، والاشتقاق من الأعيان قليل جدا، والمراد بهذه العصا المسؤول عنها في قوله تعالى : وما تلك بيمينك يا موسى والمشهور أنها من آس الجنة، طولها عشرة أذرع طول موسى عليه السلام، لها شعبتان تتقدان في الظلمة، توارثها صاغر عن كابر، حتى وصلت إلى شعيب، ومنه إلى موسى عليهما السلام، وقيل : رفعها له ملك في طريق مدين، وفي المراد من الحجر خلاف، فقال : لم يكن حجرا معينا، بل أي حجر ضربه انفجر منه الماء، وهذا أبلغ في الإعجاز، وأبين في القدرة، وقال الحسن : كان يقرع لهم أقرب حجر، فتنفجر، وعلى هذا اللام فيه للجنس، وقيل : للعهد، وهو حجر معين حمله معه من الطور مكعب له أربعة أوجه، ينبع من كل وجه ثلاثة أعين، لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي أمرت أن تسقيهم، وكانوا ستمائة ألف ما عدا دوابهم، وسعة المعسكر اثنا عشر ميلا، وقيل : حجر كان عند وهب آدم وصل مع العصا إلى شعيب، فدفع إلى موسى ، وقيل : هو الحجر الذي فر بثوبه، والقصة معروفة، وقيل : حجر أخذ من قعر البحر خفيف يشبه رأس الآدمي، كان يضعه في مخلاته، فإذا احتاج للماء ضربه، والروايات في ذلك كثيرة، وظاهر أكثرها التعارض، ولا ينبني على تعيين هذا الحجر أمر ديني، والأسلم تفويض علمه إلى الله تعالى.فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا عطف على مقدر، أي فضرب فانفلق، ويدل على هذا المحذوف وجود الانفجار، ولو كان ينفجر دون ضرب لما كان للأمر فائدة، وبعضهم يسمي هذه الفاء الفصيحة، ويقدر شرطا، أي فإن ضربت فقد انفجرت، وفي المعنى أن هذا التقدير يقتضي تقدم الانفجار على الضرب، إلا أن يقال : المراد فقد حكمنا بترتب الانفجار على ضربك، وقال بعض المتأخرين : لا حذف بل الفاء للعطف، وإن مقدرة بعد الفاء كما هو القياس بعد الأمر عند قصد السببية، والتركيب من قبيل: زرني فأكرمك، أي اضرب بعصاك الحجر، فإن انفجرت فليكن منك الضرب، فالانفجار، ولا يخفى ما في كل [ ص: 271 ] حتى قال مولانا مفتي الديار الرومية في الأول: إنه غير لائق بجلالة شأن النظم الكريم، والثاني أدهى وأمر، والانفجار انصداع شيء من شيء، ومنه الفجر، والفجور، وجاء هنا انفجرت، وفي الأعراف انبجست، فقيل : هما سواء، وقيل : بينهما فرق وهو أن الانبجاس أول خروج الماء، والانفجار اتساعه وكثرته، أو الانبجاس خروجه من الصلب، والآخر خروجه من اللين، والظاهر استعمالها بمعنى واحد، وعلى فرض المغايرة لا تعارض لاختلاف الأحوال، ومن لابتداء الغاية، والضمير عائد على الحجر المضروب، وعوده إلى الضرب ومن سببية مما لا ينبغي الإقدام عليه، والتاء في اثنتا للتأنيث، ويقال : ثنتا، إلا أن التاء فيها على ما في البحر للإلحاق، وهذا نظير أنبت، ونبت، ولامها محذوفة، وهي ياء، لأنها من ثنيت، وقرأ وجماعة، ورواه مجاهد السعدي عن (عشرة) بكسر الشين، وهي لغة أبي عمرو بني تميم، وقرأ الفضل الأنصاري بفتحها، قال : وهي لغة ضعيفة، ونص بعض النحاة على الشذوذ، ويفهم من بعض المتأخرين إن هذه اللغات في المركب لا في عشرة وحدها، وعبارات القوم لا تساعده، والعين منبع الماء، وجمع على أعين شذوذا، وعيون قياسا، وقالوا في أشراف الناس : أعيان، وجاء ذلك في الباصرة قليلا، كما في قوله: أعيانا لها ومآقيا ابن عطية
وهو منصوب على التمييز، وإفراده في مثل هذا الموضع لازم، وأجاز أن يكون جمعا، وكان هذا العدد دون غيره لكونهم كانوا اثني عشر سبطا، وكان بينهم تضاغن وتنافس، فأجرى الله تعالى لكل سبط عينا يردها لا يشركه فيها أحد من السبط الآخر دفعا لإثارة الشحناء، ويشير إلى حكمة الانقسام قوله تعالى : الفراء قد علم كل أناس مشربهم وهي جملة مستأنفة مفهمة على أن كل سبط منهم قد صار له مشرب يعرفه، فلا يتعدى لمشرب غيره، وأناس جمع لا واحد له من لفظه، وما ذكر من شذوذ إثبات همزته إنما هو مع الألف واللام، وأما بدونها فشائع صحيح، وعلم هنا متعدية لواحد، أجريت مجرى عرف ووجد، ذلك بكثرة، والمشرب إما اسم مكان، أي محل الشرب، أو مصدر ميمي بمعنى الشرب، وحمله بعضهم على المشروب، وهو الماء، وحمله على المكان أولى عند أبي حيان، وإضافة المشرب إليهم لأنه لما تخصص كل مشرب بمن تخصص به صار كأنه ملك لهم، وأعاد الضمير في مشربهم على معنى (كل)، ولا يجوز أن يعود على لفظها، لأن كلا متى أضيف إلى نكرة وجب مراعاة المعنى كما في قوله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم وقوله:
وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل