[ ص: 173 ] قوله تعالى : فأتبعوهم مشرقين فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : حين أشرقت الشمس بالشعاع ، قاله السدي .
الثاني : حين أشرقت الأرض بالضياء ، قاله قتادة .
الثالث : أي بناحية المشرق ، قاله أبو عبيدة .
قال الزجاج : يقال شرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت . واختلف في تأخر فرعون وقومه عن موسى وبني إسرائيل حتى أشرقوا على قولين :
أحدهما : لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء في تلك الليلة وقع فيهم .
الثاني : لأن سحابة أظلتهم فخافوا وأصبحوا ، فانقشعت عنهم .
وقرئ ( مشرقين ) بالتشديد أي نحو المشرق ، مأخوذ من قولهم شرق وغرب ، إذا سار نحو المشرق والمغرب .
قال كلا إن معي ربي سيهدين فيه وجهان :
أحدهما : أي سيرشدني إلى الطريق .
الثاني : معناه سيكفيني ، قاله السدي . وكلا كلمة توضع للردع والزجر ، وحكي أن موسى لما خرج ببني إسرائيل من مصر أظلم عليهم القمر فقال لقومه : ما هذا؟ فقال علماؤهم : إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا ، قال موسى فأيكم يدري أين قبره؟ قالوا : ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها [ ص: 174 ] فقال : دليني على قبر يوسف ، قالت : لا والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي ، قال : وما حكمك؟ قالت : حكمي أن أكون معك في الجنة، فثقل عليه، فقيل له: أعطها حكمها، فدلتهم عليه فاحتفروه، واستخرجوا عظامه ، فلما أقلوها فإذا الطريق مثل ضوء النهار .
فروى أبو بردة عن أبي موسى : أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بأعرابي فأكرمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حاجتك؟ قال له : ناقة أرحلها وأعنزا أحلبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل فقال الصحابة : وما عجوز بني إسرائيل؟ فذكر لهم حال هذه العجوز التي حكمت على موسى أن تكون معه في الجنة .
قوله تعالى : فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق روى عكرمة عن ابن عباس أن موسى لما بلغ البحر واتبعه فرعون قاله له فتاه يوشع بن نون : أين أمرك ربك؟ قال : أمامك ، يشير إلى البحر ، ثم ذكر أنه أمر أن يضرب بعصاه البحر فضربه ، فانفلق له اثنا عشر طريقا وكانوا اثني عشر سبطا لكل سبط طريق ، عرض كل طريق فرسخان .
وقال سعيد بن جبير : كان البحر ساكنا لا يتحرك ، فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر . وحكى النقاش : أن موسى ضرب بعصاه البحر وقد مضى من النهار أربع ساعات ، وكان يوم الاثنين عاشر المحرم وهو يوم عاشوراء ، قال : والبحر هو نهر النيل ما بين إيلة ومصر وقطعوه في ساعتين ، فصارت ست ساعات .
فكان كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل العظيم ، قاله امرؤ القيس:
فبينا المرء في الأحياء طود رماه الناس عن كثب فمالا
وكان الأسباط لا يرى بعضهم بعضا فقال كل سبط : قد هلك أصحابنا فدعا موسى ربه فجعل في كل حاجز مثل الكوى حتى رأى بعضهم بعضا .
[ ص: 175 ] قوله تعالى : وأزلفنا ثم الآخرين فيه وجهان :
أحدهما : قربنا إلى البحر فرعون وقومه ، قاله ابن عباس : وقتادة ، ومنه قول الشاعر :
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت     فيها النفوس إلى الآجال تزدلف 
الثاني : جمعنا فرعون وقومه في البحر ، قاله أبو عبيدة ، وحكي عن أبي وابن عباس أنهما قرآ : ( وأزلقنا) بالقاف من زلق الأقدام ، كأقدام فرعون أغرقهم الله تعالى في البحر حتى أزلقهم في طينه الذي في قعره .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					