سورة الملك
مكية عند الكل بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير
قوله عز وجل : تبارك الذي بيده الملك فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن التبارك تفاعل من البركة ، قاله . وهو أبلغ من المبارك لاختصاص الله بالتبارك واشتراك المخلوقين في المبارك . ابن عباس
الثاني : أي تبارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة ، قاله . ابن عطاء
الثالث : معناه علا وارتفع ، قاله . وفي قوله ( يحيى بن سلام الذي بيده الملك ) وجهان :
أحدهما : ملك السماوات والأرض في الدنيا والآخرة .
الثاني : ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وأذل بها من خالفه ، قاله . محمد بن إسحاق وهو على كل شيء قدير من إنعام وانتقام .
[ ص: 50 ]
الذي خلق الموت والحياة يعني الموت في الدنيا ، والحياة في الآخرة . قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قتادة (إن الله أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء) .
الثاني : أنه خلق الموت والحياة جسمين ، فخلق الموت في صورة كبش أملح ، وخلق الحياة في صورة فرس [أنثى بلقاء] ، وهذا مأثور حكاه الكلبي . ومقاتل ليبلوكم أيكم أحسن عملا فيه خمسة تأويلات : أحدها : أيكم أتم عقلا ، قاله . قتادة
الثاني : أيكم أزهد في الدنيا ، قاله . سفيان
الثالث : أيكم أورع عن محارم الله وأسرع إلى طاعة الله ، وهذا قول مأثور .
الرابع : أيكم للموت أكثر ذكرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا ، قاله . السدي
الخامس : أيكم أعرف بعيوب نفسه . ويحتمل سادسا : أيكم أرضى بقضائه وأصبر على بلائه . الذي خلق سبع سماوات طباقا فيه وجهان :
[ ص: 51 ]
أحدهما : أي متفق متشابه ، مأخوذ من قولهم هذا مطابق لهذا أي شبيه له ، قاله ابن بحر .
الثاني : يعني بعضهن فوق بعض ، قال : وسبع أرضين بعضهن فوق بعض ، بين كل سماء وأرض خلق وأمر . الحسن ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فيه أربعة أوجه :
أحدها : من اختلاف ، قاله ، ومنه قول الشاعر قتادة
متفاوتات من الأعنة قطبا حتى وفي عشية أثقالها .
الثاني : من عيب ، قاله . السدي
الثالث : من تفرق ، قاله . ابن عباس
الرابع : لا يفوت بعضه بعضا ، قاله عطاء بن أبي مسلم . قال الشاعر
فلست بمدرك ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لو أني
فارجع البصر قال : معناه فانظر إلى السماء . قتادة هل ترى من فطور فيه أربعة أوجه :
أحدها : من شقوق ، قاله مجاهد . والضحاك
الثاني : من خلل ، قاله . قتادة
الثالث : من خروق قاله . السدي
الرابع : من وهن ، قاله . ابن عباس ثم ارجع البصر كرتين أي انظر إلى السماء مرة بعد أخرى . ويحتمل أمره بالنظر مرتين وجهين :
أحدهما : لأنه في الثانية أقوى نظرا وأحد بصرا .
الثاني : لأنه يرى في الثانية من سير كواكبها واختلاف بروجها ما لا يراه من الأولى فيتحقق أنه لا فطور فيها . وتأول قوم بوجه ثالث : أنه عنى بالمرتين قلبا وبصرا .
[ ص: 52 ]
ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير أي يرجع إليك البصر لأنه لا يرى فطورا فيرتد . وفي ( خاسئا ) أربعة أوجه :
أحدها : ذليلا ، قاله . ابن عباس
الثاني : منقطعا ، قاله . السدي
الثالث : كليلا ، قاله . يحيى بن سلام
الرابع : مبعدا ، قاله مأخوذ من خسأت الكلب إذا أبعدته . وفي (حسير) ثلاثة أوجه : الأخفش
أحدها : أنه النادم ، ومنه قول الشاعر
ما أنا اليوم على شيء خلا يا ابنة القين تولى بحسير .
الثاني : أنه الكليل الذي قد ضعف عن إدراك مرآه ، قاله ومنه قول الشاعر ابن عباس
من مد طرفا إلى ما فوق غايته ارتد خسآن منه الطرف قد حسرا .
والثالث : أنه المنقطع من الإعياء ، قاله ، ومنه قول الشاعر السدي
والخيل شعث ما تزال جيادها حسرى تغادر بالطريق سخالها .