سورة التكوير
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت وإذا النفوس زوجت وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وإذا الصحف نشرت وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت
قوله تعالى : إذا الشمس كورت فيه خمسة تأويلات : أحدها : يعني ذهب نورها وأظلمت ، قاله . ابن عباس
الثاني : غورت ، وهو بالفارسية كوبكرد ، قاله . ابن جبير
الثالث : اضمحلت ، قاله . مجاهد
الرابع : نكست ، قاله . أبو صالح
الخامس : جمعت فألقيت ، ومنه كارة الثياب لجمعها ، وهو قول . الربيع بن خيثم وإذا النجوم انكدرت فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : تناثرت ، قاله . الربيع بن خيثم
الثاني : تغيرت فلم يبق لها ضوء ، قاله . ابن عباس
[ ص: 212 ]
الثالث : تساقطت ، قاله ، ومنه قول قتادة العجاج
أبصر خربان فضاء فانكدر تقضي البازي إذا البازي كسر
ويحتمل رابعا : أن يكون انكدارها طمس آثارها ، وسميت النجوم نجوما لظهورها في السماء بضوئها . وإذا الجبال سيرت يعني ذهبت عن أماكنها ، قال : فسويت بالأرض كما خلقت أول مرة وليس عليها جبل ولا فيها واد . مقاتل وإذا العشار عطلت والعشار : جمع عشراء وهي الناقة إذا صار لحملها عشرة أشهر ، وهي أنفس أموالهم عندهم ، قال الأعشى
هو الواهب المائة المصطفا ة إما مخاضا وإما عشارا
فتعطل العشار لاشتغالهم بأنفسهم من شدة خوفهم . وفي عطلت تأويلان :
أحدهما : أهملت ، قاله . الربيع
الثاني : لم تحلب ولم تدر ، قاله . وقال بعضهم : العشار : السحاب تعطل فلا تمطر . ويحتمل وجها ثالثا : أنها الأرض التي يعشر زرعها فتصير للواحد عشرا ، تعطل فلا تزرع . يحيى بن سلام وإذا الوحوش حشرت فيه أربعة تأويلات : أحدها : جمعت ، قاله . الربيع
الثاني : اختلطت ، قاله فصارت بين الناس . أبي بن كعب
[ ص: 213 ]
الثالث : حشرت إلى القيامة للقضاء فيقتص للجماء من القرناء ، قاله . السدي
الرابع : أن حشرها بموتها ، قاله . ابن عباس وإذا البحار سجرت فيه ثمانية تأويلات : أحدها : فاضت ، قاله . الربيع
الثاني : يبست ، قاله . الحسن
الثالث : ملئت ، أرسل عذبها على مالحها ، ومالحها على عذبها حتى امتلأت ، قاله أبو الحجاج .
الرابع : فجرت فصارت بحرا واحدا ، قاله . الضحاك
الخامس : سيرت كما سيرت الجبال ، قاله . السدي
السادس : هو حمرة مائها حتى تصير كالدم ، مأخوذ من قولهم عين سجراء أي حمراء .
السابع : يعني أوقدت فانقلبت نارا ، قاله رضي الله عنه علي وابن عباس . وأبي بن كعب
الثامن : معناه أنه جعل ماؤها شرابا يعذب به أهل النار ، حكاه . وقرأ ابن عيسى ابن كثير بتخفيف (سجرت) إخبارا عن حالها مرة واحدة ، وقرأ الباقون بالتشديد إخبارا عن حالها في تكرار ذلك منها مرة بعد أخرى . وأبو عمرو وإذا النفوس زوجت فيه أربعة تأويلات : أحدها : يعني عمل بهن عمل مثل عملها ، فيحشر العامل بالخير مع العامل بالخير إلى الجنة ، ويحشر العامل بالشر مع العامل بالشر إلى النار ، قاله عطية العوفي : حين يكون الناس أزواجا ثلاثة .
الثاني : يزوج كل رجل نظيره من النساء فإن كان من أهل الجنة زوج بامرأة من [ ص: 214 ]
أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار زوج بامرأة من أهل النار ، قاله ، ثم قرأ : عمر بن الخطاب احشروا الذين ظلموا وأزواجهم الثالث : معناه ردت الأرواح إلى الأجساد ، فزوجت بها أي صارت لها زوجا ، قاله عكرمة . والشعبي
الرابع : أنه قرن كل غاو بمن أغواه من شيطان أو إنسان ، حكاه . ويحتمل خامسا : زوجت بأن أضيف إلى كل نفس جزاء عملها ، فصار لاختصاصها به كالتزويج . ابن عيسى وإذا الموءودة سئلت والموءودة المقتولة ، ، إما خوفا من السبي والاسترقاق ، وإما خشية الفقر والإملاق ، وكان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا ويمنعون منه حتى افتخر كان الرجل في الجاهلية إذا ولدت امرأته بنتا دفنها حية فقال الفرزدق
ومنا الذي منع الوائدات فأحيا والوئيد فلم توأد
وسميت موءودة للثقل الذي عليها من التراب ، ومنه قوله تعالى : ولا يئوده حفظهما أي لا يثقله ، وقال متمم بن نويرة
وموءودة مقبورة في مفازة بآمتها موسودة لم تمهد
فقال توبيخا لقاتلها وزجرا لمن قتل مثلها وإذا الموءودة سئلت واختلف هل هي السائلة أو المسؤولة ، على قولين :
أحدهما : وهو قول الأكثرين أنها هي المسؤولة : بأي ذنب قتلت فتقول : لا ذنب لي ، فيكون ذلك أبلغ في توبيخ قاتلها وزجره .
الثاني : أنها هي السائلة لقاتلها لم قتلت ، فلا يكون له عذر ، قاله وكان يقرأ : وإذا الموءودة سألت . ابن عباس
[ ص: 215 ]
قال : يقتل أحدهما بنته ويغذو كلبه ، فأبى الله سبحانه ذلك عليهم . قتادة وإذا الصحف نشرت يعني صحف الأعمال إذا كتب الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير وشر ، تطوى بالموت وتنشر في القيامة ، فيقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها فيقول : مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وقرأ حمزة بتشديد نشرت على تكرار النشر ، وقرأ الباقون بالتخفيف على نشرها مرة واحدة ، فإن حمل على المرة الواحدة فلقيام الحجة بها ، وإن حمل على التكرار ففيه وجهان : والكسائي
أحدهما : للمبالغة في تقريع العاصي وتبشير المطيع .
الثاني : لتكرير ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه . وإذا السماء كشطت فيه ثلاثة تأويلات : أحدها يعني ذهبت ، قاله . الضحاك
الثاني : كسفت ، قاله . السدي
الثالث : طويت ، قاله ، كما قال تعالى : يحيى بن سلام يوم نطوي السماء الآية . وإذا الجحيم سعرت فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : أحميت ، قاله . السدي
الثاني : أوقدت ، قاله عن معمر قتادة .
الثالث : سعرها غضب الله وخطايا بني آدم ، قاله سعيد عن . قتادة وإذا الجنة أزلفت أي قربت ، قال : إلى هاتين الآيتين ما جرى الحديث فريق في الجنة وفريق في السعير . الربيع علمت نفس ما أحضرت يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب إذا الشمس كورت وما بعدها ، قال : لهذا جرى الحديث ، وقال عمر بن الخطاب : الحسن إذا الشمس كورت قسم وقع على قوله علمت نفس ما أحضرت
[ ص: 216 ]