قوله تعالى: سواء منكم من أسر القول ومن جهر به إسرار القول: ما حدث به نفسه ، والجهر ما حدث به غيره. والمراد بذلك أنه تعالى يعلم ما أسره الإنسان من خير وشر. ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار فيه وجهان: أحدهما: يعلم من استخفى بعمله في ظلمة الليل ، ومن أظهره في ضوء النهار.
الثاني: يرى ما أخفته ظلمة الليل كما يرى ما أظهره ضوء النهار ، بخلاف المخلوقين الذين يخفي عليهم الليل أحوال أهلهم. قال الشاعر :
وليل يقول الناس في ظلماته سواء صحيحات العيون وعورها
والسارب: هو المنصرف الذاهب ، مأخوذ من السروب في المرعى ، وهو
[ ص: 98 ] بالعشي ، والسروح بالغداة ، قال قيس بن الخطيم :
أنى سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
قوله عز وجل: له معقبات من بين يديه ومن خلفه فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم حراس الأمراء يتعاقبون الحرس ، قاله ابن عباس وعكرمة.
الثاني: أنه ما يتعاقب من أوامر الله وقضائه في عباده ، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثالث: أنهم الملائكة ، ، وإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار ، قاله إذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل مجاهد قال وقتادة. : وهم أربعة أملاك: اثنان بالنهار ، واثنان بالليل ، يجتمعون عند صلاة الفجر. وفي قوله تعالى: الحسن من بين يديه ومن خلفه ثلاثة أوجه: أحدها: من أمامه وورائه ، وهذا قول من زعم أن المعقبات حراس الأمراء.
الثاني: الماضي والمستقبل ، وهذا قول من زعم أن المعقبات ما يتعاقب من أمر الله تعالى وقضائه.
الثالث: من هداه وضلاله ، وهذا قول من زعم أن المعقبات الملائكة. يحفظونه من أمر الله تأويله يختلف بحسب اختلاف المعقبات ، فإن قيل بالقول الأول أنهم حراس الأمراء ففي قوله يحفظونه أي عند نفسه من أمر الله ولا راد لأمره ولا دافع لقضائه ، قاله ابن عباس وعكرمة.
الثاني: أن في الكلام حرف نفي محذوفا وتقديره: لا يحفظونه من أمر الله. وإن قيل بالقول الثاني ، إن المعقبات ما يتعاقب من أمر الله وقضائه ، ففي تأويل قوله تعالى يحفظونه من أمر الله وجهان: أحدهما: يحفظونه من الموت ما لم يأت أجله ، قاله . الضحاك
[ ص: 99 ] الثاني: يحفظونه من الجن والهوام المؤذية ما لم يأت قدر ، قاله أبو مالك وإن قيل بالقول الثالث: وهو الأشبه: أن المعقبات الملائكة ففيما أريد بحفظهم له وجهان: أحدهما: يحفظون حسناته وسيئاته بأمر الله. وكعب الأحبار.
الثاني: يحفظون نفسه. فعلى هذا في تأويل قوله تعالى يحفظونه من أمر الله ثلاثة أوجه: أحدها: يحفظونه بأمر الله ، قاله . مجاهد
الثاني: يحفظونه من أمر الله حتى يأتي أمر الله ، وهو محكي عن ابن عباس.
الثالث: أنه على التقديم والتأخير وتقديره: له معقبات من أمر الله تعالى يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، قاله إبراهيم. وفي هذه الآية قولان: أحدهما: أنها عامة في جميع الخلق ، وهو قول الجمهور.
الثاني: أنها خاصة نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أزمع عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخو لبيد على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمنعه الله عز وجل منهما وأنزل هذه الآية فيه ، قاله ابن زيد. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يحتمل وجهين: أحدهما: أن الله لا يغير ما بقوم من نعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من معصية.
الثاني: لا يغير ما بهم من نعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة. وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له فيه وجهان:
أحدهما: إذا أراد الله بهم عذابا فلا مرد لعذابه.
الثاني: إذا أراد بهم بلاء من أمراض وأسقام فلا مرد لبلائه. وما لهم من دونه من وال فيه وجهان: [ ص: 100 ] أحدهما: من ملجأ وهو معنى قول السدي.
الثاني: يعني من ناصر ، ومنه قول الشاعر :
ما في السماء سوى الرحمن من وال