قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى
قوله تعالى: قال بل ألقوا الآية. في أمر موسى للسحرة بالإلقاء - وإن كان ذلك كفرا لا يجوز أن يأمر به - وجهان: أحدهما: إن اللفظ على صفة الأمر ، ومعناه معنى الخبر ، وتقديره: إن كان إلقاؤكم عندكم حجة فألقوا.
[ ص: 413 ] الثاني: إن ذلك منه على وجه الاعتبار ليظهر لهم صحة نبوته ووضوح محبته ، وأن ما أبطل السحر لم يكن سحرا. واختلفوا في فحكي عن عدد السحرة القاسم بن أبي بزة أنهم كانوا سبعين ألف ساحر ، وحكي عن أنهم كانوا تسعمائة ساحر ، ثلاثمائة من ابن جريج العريش ، وثلاثمائة من الفيوم ، ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية ، وحكى عن أبو صالح أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحرا ، منهم اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل ، كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء. ابن عباس يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى يحتمل وجهين: أحدهما: أنه يخيل ذلك لفرعون.
الثاني: لموسى كذلك. فأوجس في نفسه خيفة موسى وفي خوف وجهان: أحدهما: أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهموا أنهم فعلوا مثل فعله وأنه من جنسه.
الثاني: لما هو مركوز في الطباع من الحذر. وأوجس: بمعنى أسر. قلنا لا تخف الآية. تثبيتا لنفسه ، وإزالة لخوفه. قوله تعالى: وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا أي تأخذه بفيها ابتلاعا بسرعة ، فقيل إنها ابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي ، ثم أخذها موسى ورجعت عصا كما كانت. وفيها قولان: أحدهما: أنها كانت من عوسج ، قاله وهب.
الثاني: من الجنة ، قاله ، قال: وبها قتل ابن عباس موسى عوج بن عناق.
[ ص: 414 ] فألقي السحرة سجدا طاعة لله وتصديقا لموسى. قالوا آمنا برب هارون وموسى أي بالرب الذي دعا إليه هارون وموسى ، لأنه رب لنا ولجميع الخلق ، فقيل إنهم ما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة وثواب أهلها ، فعند ذلك.