وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا
كان مواليه -وهم عصبته إخوته وبنو عمه- شرار بني إسرائيل ، فخافهم على الدين أن يغيروه ويبدلوه ، وألا يحسنوا الخلافة على أمته ، فطلب عقبا من صلبه صالحا يقتدى به في إحياء الدين ويرتسم مراسمه فيه من ورائي : بعد موتي ، وقرأ : ابن كثير "من ورائي " : بالقصر ، وهذا الظرف لا يتعلق بخفت ، لفساد المعنى ، ولكن بمحذوف ، أو بمعنى : الولاية في الموالي ، أي : خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي ، أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي ، وقرأ ، عثمان ومحمد بن علي ، -رضي الله عنهم - : وعلي بن الحسين "خفت الموالي من ورائي" ، وهذا على معنيين :
أحدهما : أن يكون "ورائي" بمعنى : خلفي وبعدي ، فيتعلق الظرف بالموالي ، أي : قلوا وعجزوا عن إقامة أمر الدين ، فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بولي يرزقه .
والثاني : أن يكون بمعنى : قدامي ، فيتعلق ب "خفت" ، ويريد أنهم خفوا قدامه ودرجوا ، ولم يبق منهم من به تقو واعتضاد ، من لدنك : تأكيد لكونه وليا مرضيا ، بكونه مضافا إلى الله تعالى- وصادرا من عنده ، وإلا -فهب لي وليا يرثيني - : كاف ، أو أراد اختراعا منك بلا سبب ؛ لأني وامرأتي لا نصلح للولادة ، يرثني ويرث : الجزم جواب الدعاء ، والرفع صفة ؛ ونحوه : ردءا يصدقني [القصص : 34 ] وعن ابن عباس والجحدري : "يرثني وأرث آل يعقوب" : نصب على الحال ، وعن الجحدري : "أويرث" : على تصغير : وارث ، وقال : غليم صغير ، وعن -رضي الله عنه- وجماعة : "وارث [ ص: 7 ] من آل يعقوب" ، أي : يرثني به وارث ، ويسمى : التجريد في علم البيان ، والمراد بالإرث : إرث الشرع والعلم ؛ لأن الأنبياء لا تورث المال ، وقيل : يرثني الحبورة وكان حبرا ، ويرث من آل يعقوب الملك ، يقال : ورثته وورثت منه لغتان ، وقيل : " من " للتبعيض لا للتعدية ؛ لأن آل علي يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ولا علماء ، وكان زكريا -عليه السلام- من نسل يعقوب بن إسحاق ، وقيل : هو يعقوب بن ماتان أخو زكريا ، وقيل : يعقوب هذا وعمران أبو مريم أخوان من نسل سليمان بن داود .