[ ص: 70 ] فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري
قرأ أبو عمرو "أني " : بالفتح ، أي : نودي بأني ، وابن كثير "أنا ربك " ، وكسر الباقون ، أي : نودي فقيل : يا موسى ، أو لأن النداء ضرب من القول فعومل معاملته ، تكرير الضمير في : إني أنا ربك ؛ لتوكيد الدلالة ، وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة ، روي أنه لما نودي : "موسى " ، قال : من المتكلم ؟ فقال له الله -عز وجل - : إني أنا ربك ، وأن إبليس وسوس إليه قال : لعلك تسمع كلام شيطان ، فقال : أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع جهاتي الست ، وأسمعه بجميع أعضائي ، وروي : أنه حين انتهى رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد ، وسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نورا عظيما ، فخاف وبهت ، فألقيت عليه السكينة ثم نودي ، وكانت الشجرة عوسجة ، وروي : كلما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت ، وعن : لما دنا استأخرت عنه ، فلما رأى ذلك ، رجع وأوجس في نفسه خيفة ، فلما أراد الرجعة دنت منه ، ثم كلم ، قيل : أمر بخلع النعلين ؛ لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ عن ابن إسحاق السدي ، وقيل : ليباشر الوادي بقدميه متبركا به ، وقيل : لأن [ ص: 71 ] الحفوة تواضع لله ، ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين ، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه ، وكان إذا ندر منه الدخول منتعلا تصدق ، والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة ، وتعظيم لها ، وتشريف لقدسها ، وروي : أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي ، وقتادة "طوى " : بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة ، وقيل : مرتين ؛ نحو : ثنى ، أي : نودي نداءين أو قدس الوادي كرة بعد كرة ، وأنا اخترتك : اصطفيتك للنبوة ، وقرأ : "وإنا اخترناك " ، حمزة لما يوحى للذي يوحى . أو للوحي ، تعلق اللام باستمع ، أو باخترتك ، "لذكري" : لتذكرني ؛ فإن ذكري أن أعبد ويصلى لي ، أو لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار عن ، أو : لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو لأن أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق ، أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو لإخلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضا آخر ، أو لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به ، قال : مجاهد لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله [النور : 37 ] ، أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة ؛ كقوله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا [النساء : 103 ] ، . واللام مثلها في قولك : جئتك لوقت كذا ، وكان ذلك لست ليال خلون ، وقوله تعالى : يقول يا ليتني قدمت لحياتي [الفجر : 24 ] وقد حمل على ذكر الصلاة بعد [ ص: 72 ] نسيانها من قوله -عليه السلام - : " "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، وكان حق العبارة أن يقال : لذكرها ، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "إذا ذكرها" ح ، ومن يتمحل له يقول : إذا ذكر الصلاة فقد ذكر الله ، أو بتقدير حذف المضاف ، أي : لذكر صلاتي ، أو لأن الذكر والنسيان من الله -عز وجل- في الحقيقة ، وقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "للذكرى" .