وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى
"وإذ " : منصوب بمضمر ، أي : واذكر وقت ما جرى عليه من معاداة إبليس ووسوسته إليه وتزيينه له الأكل من الشجرة ، وطاعته له بعد ما تقدمت معه النصيحة والموعظة البليغة والتحذير من كيده ، حتى يتبين لك أنه لم يكن من أولي العزم والثبات .
فإن قلت : إبليس كان جنيا بدليل قوله تعالى : كان من الجن ففسق عن أمر ربه [الكهف : 50 ] ، فمن أين تناوله الأمر وهو للملائكة خاصة ؟
قلت : كان في صحبتهم ، وكان يعبد الله تعالى- عبادتهم ، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له ؛ كرامة له ، كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع ، كما لو قام لمقبل على المجلس علية أهله وسراتهم ، كان القيام على واحد بينهم هو دونهم في المنزلة أوجب ، حتى إن لم يقم عنف ، وقيل له : قد قام فلان وفلان ، فمن أنت حتى تترفع عن القيام ؟
فإن قلت : فكيف صح استثناؤه ، وهو جني عن الملائكة ؟
قلت : عمل على حكم التغليب في إطلاق اسم الملائكة عليهم وعليه ، فأخرج الاستثناء على ذلك ؛ كقولك : خرجوا إلا فلانة ، لامرأة بين الرجال ، "وأبى " : جملة مستأنفة ، كأنه جواب قائل قال : لم لم يسجد ؟ والوجه ألا يقدر له مفعول ، وهو السجود المدلول عليه بقوله : "فسجدوا" وأن يكون معناه أظهر الإباء وتوقف وتثبط .