قرأ : "بالله " ، وقرئ : "تولوا" بمعنى : تتولوا ، ويقويها قوله : معاذ بن جبل فتولوا عنه مدبرين [الصافات : 90 ] .
فإن قلت : ما الفرق بين الباء والتاء ؟
قلت : أن الباء هي الأصل ، والتاء : بدل من الواو المبدلة ، منها ، وأن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب ، كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه ؛ لأن ذلك كان أمرا مقنوطا منه لصعوبته وتعذره ، ولعمري ، إن مثله صعب متعذر في كل زمان ، خصوصا في زمن نمروذ مع عتوه واستكباره وقوة سلطانه وتهالكه على نصرة دينه .
ولكن : [من الطويل ]
إذا الله سنى عقد شيء تيسرا
روي أن آزر خرج به في يوم عيد لهم ، فبدؤوا ببيت الأصنام فدخلوه وسجدوا لها ، ووضعوا بينها طعاما خرجوا به معهم ، وقالوا : إلى أن نرجع بركت الآلهة على طعامنا ، فذهبوا وبقي إبراهيم فنظر إلى الأصنام ، وكانت سبعين صنما مصطفة ، وثم صنم عظيم مستقبل الباب ، وكان من ذهب في عينيه جوهرتان تضيئان بالليل ، فكسرها كلها بفأس في يده ، حتى إذا لم يبق إلا الكبير علق الفأس في عنقه ، عن : قال ذلك سرا من قومه ، وروي : سمعه رجل واحد ، قتادة "جذاذا" قطاعا ، من الجذ وهو القطع ، وقرئ بالكسر والفتح ، وقرئ : "جذذا " : جمع جذيذ ، و "جذذا " : جمع جذة ، وإنما استبقى الكبير ؛ لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه ، لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم ، فيبكتهم بما أجاب به من قوله : بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم [الأنبياء : 63 ] ، وعن : الكلبي "إليه " : إلى كبيرهم ، ومعنى هذا : لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات ، فيقولون له : ما لهؤلاء مكسورة وما لك صحيحا والفأس على عاتقك ؟ [ ص: 152 ] قال : هذا بناء على ظنه بهم ، لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها ، أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه ؛ استهزاء بهم واستجهالا ، وأن قياس حال من يسجد له ويؤهله للعبادة أن يرجع إليه في حل كل مشكل .
فإن قلت : فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم ، فأي فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم -صلوات الله عليه- غرضا ؟
قلت : إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر ، وظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم .