فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد
كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو ظلة أو كرم ، فهو "عرش " ، والخاوي : [ ص: 201 ] الساقط ، من خوى النجم إذا سقط ، أو الخالي : من خوى المنزل : إذا خلا من أهله ، وخوى بطن الحامل ، وقوله : على عروشها : لا يخلو من أن يتعلق بخاوية ، فيكون المعنى أنها ساقطة على سقوفها ، أي : خرت سقوفها على الأرض ، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ، أو أنها ساقطة أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها ، وإما أن يكون خبرا بعد خبر ، كأنه قيل : هي خالية ، وهي على عروشها ، أي : قائمة مطلة على عروشها ، على معنى : أن السقوف سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان وبقيت الحيطان مائلة فهي مشرفة على السقوف الساقطة .
فإن قلت : ما محل الجملتين من الإعراب ، أعني : "وهي ظالمة فهي خاوية" ؟
قلت : الأولى : في محل النصب على الحال ، والثانية : لا محل لها ، لأنها معطوفة على أهلكناها ، وهذا الفعل ليس له محل ، وقرأ : "معطلة " : من أعطله ، بمعنى : عطله ، ومعنى المعطلة : أنها عامرة فيها الماء ، ومعها آلات الاستقاء ؛ إلا أنها عطلت ، أي : تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها ، والمشيد : المجصص أو المرفوع البنيان ، والمعنى : كم قرية أهلكنا ؟ وكم بئر عطلنا عن سقاتها ؟ وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه ؟ فترك ذلك ؛ لدلالة معطلة عليه ، وفي هذا دليل على أن الحسن على عروشها بمعنى "مع" أوجه ، روي أن هذه بئر نز عليها صالح -عليه السلام- مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به ، ونجاهم الله من العذاب ، وهي بحضرموت ؛ وإنما سميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات ، وثمة بلدة عند البئر اسمها : "حاضوراء" بناها قوم صالح ، وأمروا عليهم جلهس بن جلاس ، وأقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما ، وأرسل الله أليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه ، فأهلكهم الله ، وعطل بئرهم ، وخرب قصورهم .