مكية ، وهي مائة وتسع عشرة آية ، وثماني عشرة عند الكوفيين
[نزلت بعد سورة الأنبياء ] بسم الله الرحمن الرحيم
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون
"قد " : نقيضه "لما" هي تثبت المتوقع و "لما" تنفيه ، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة ، وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم ، فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه ، والفلاح : الظفر بالمراد ، وقيل : البقاء في الخير ، و " أفلح " : دخل في الفلاح ، كأبشر : دخل في البشارة ، ويقال : أفلحه : أصاره إلى الفلاح ، وعليه قراءة : "أفلح " ، على البناء للمفعول ، وعنه : "أفلحوا " ، على : أكلوني البراغيث ، أو على الإبهام والتفسير ، وعنه : "أفلح " ؛ بضمة بغير واو ؛ اجتزاء بها عنها ؛ كقوله : [من الوافر ] طلحة بن مصرف
فلو أن الأطبا كان حولي
فإن قلت : ما المؤمن ؟
قلت : هو في اللغة المصدق ، وأما في الشريعة فقد اختلف فيه على قولين :
أحدهما : أن كل من نطق بالشهادتين مواطئا قلبه لسانه فهو مؤمن .
والآخر أنه صفة مدح ، لا يستحقها إلا البر التقي دون الفاسق الشقي .
[ ص: 217 ] الخشوع في الصلاة : خشية القلب وإلباد البصر -عن : وهو إلزامه موضع السجود ، قتادة وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - : أنه كان يصلي رافعا بصره إلى السماء ، فلما نزلت هذه الآية ، رمى ببصره نحو مسجده ، وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة ، هاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء ، أو يحدث نفسه بشأن من شأن الدنيا ، وقيل : هو جمع الهمة لها ، والإعراض عما سواها ، ومن الخشوع : أن يستعمل الآداب ، فيتوقى كف الثوب ، والعبث بجسده وثيابه ، والالتفات ، والتمطي ، والتثاؤب ، والتغميض ، وتغطية الفم ، والسدل ، والفرقعة ، والتشبيك ، والاختصار ، وتقليب الحصا ، روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم - : ، ونظر أنه أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : "لو خشع قلبه خشعت جوارحه " إلى رجل يعبث بالحصا وهو يقول : اللهم ، زوجني الحور العين ، فقال : بئس الخاطب أنت! تخطب وأنت تعبث . الحسن
[ ص: 218 ] فإن قلت : لم أضيفت الصلاة إليهم ؟
قلت : لأن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى له ، فالمصلي هو المنتفع بها وحده وهي عدته وذخيرته فهي صلاته : وأما المصلى له ، فغني متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها .