أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون
"القول " : القرآن ، يقول : أفلم يتدبروه ؛ ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به ، بل جاءهم ما لم يأت آباءهم ؛ فلذلك أنكروه واستبدعوه ؛ كقوله : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون [يس : 6 ] ، أو ليخافوا عنه تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين ، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم ؛ حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه ؟ وآباؤهم : إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - : مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ، ولا تسبوا قسا ؛ فإنه كان مسلما ، ولا تسبوا الحارث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم بن مر ؛ فإنهم كانوا على الإسلام ، وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في أن تبعا كان مسلما " ، وروي في [ ص: 240 ] أن ضبة كان مسلما ، وكان على شرطة "لا تسبوا سليمان بن داود ، أم لم يعرفوا : محمدا وصحة نسبه ، وحلوله في سطة هاشم ، وأمانته ، وصدقه ، وشهامته ، وعقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش ، والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاح ، كفى برغائها مناديا . خديجة بنت خويلد
الجنة : الجنون ، وكانوا يعلمون أنه بريء منها وأنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا ، ولكنه جاءهم بما خالف شهواتهم وأهواءهم ، ولم يوافق ما نشؤوا عليه ، وسيط بلحومهم ، ودمائهم من اتباع الباطل ، ولم يجدوا له مردا ولا مدفعا ؛ لأنه الحق الأبلج والصراط المستقيم ، فأخلدوا إلى البهت ، وعولوا على الكذب من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر .
فإن قلت : قوله : "وأكثرهم" فيه أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق .
قلت : كان فيهم من يترك الإيمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه ، وأن يقولوا : صبأ وترك دين آبائه ، لا كراهة للحق ، كما يحكى عن أبي طالب .
[ ص: 241 ] فإن قلت : بزعم بعض الناس أن أبا طالب صح إسلامه .
قلت : يا سبحان الله! كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يشتهر إسلام حمزة -رضي الله عنهما- ويخفى إسلام والعباس أبي طالب .