[ ص: 242 ] وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون
قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله ، مخبور سره وعلنه ، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم ، وأنه لم يعرض له حتى يدعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم ، مع إبراز المكنون من أدوائهم ، وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل ، واستهتارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان ، وتعللهم : بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة ، وكراهتهم للحق ، وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر ، يحتمل أن هؤلاء وصفتهم أنهم لا يؤمنون بالآخرة ، "لناكبون" أي : عادلون عن هذا الصراط المذكور ، وهو قوله : إلى صراط مستقيم [البقرة : 213 ] ، وأن كل من لا يؤمن بالآخرة فهو عن القصد ناكب ؛ لما أسلم ثمامة بن أثامة الحنفي ولحق باليمامة ، ومنع الميرة من أهل مكة وأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز ، جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له : أنشدك الله والرحم ، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال : بلى ، فقال : قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع أبو سفيان .