لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين
"بأنفسهم" أي : بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات ؛ كقوله : ولا تلمزوا أنفسكم [الحجرات : 11 ] ، وذلك نحو ما يروى أن قال أبا أيوب الأنصاري لأم أيوب : ألا ترين ما يقال ؟ فقالت : لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوءا ؟ قال : لا ، [ ص: 274 ] قالت : ولو كنت أنا بدل -رضي الله عنها- ما خنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عائشة خير مني ، فعائشة وصفوان خير منك .
فإن قلت : هلا قيل : لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم ؟ ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة ، وعن الضمير إلى الظاهر ؟
قلت : ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات ، وليصرح بلفظ الإيمان ؛ دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض أن لا يصدق مؤمن على أخيه ، ولا مؤمنة على أختها قول غائب ولا طاعن ، وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة في أخيه ، أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك ، وأن يقول بملء فيه بناء على ظنه بالمؤمن الخير هذا إفك مبين ؛ هكذا بلفظ المصرح ببراءة ساحته ، كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال ، وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له ، وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه بأخوات .