أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا
" أم " هذه منقطعة . معناه ؛ بل أتحسب كأن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول ، لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا ولا إلى تدبره عقلا ، ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلال ، ثم أرجح ضلالة منها . فإن قلت : لم أخر هواه والأصل قولك : اتخذ الهوى إلها ؟ قلت : ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية ، كما تقول : علمت منطلقا زيدا : لفضل عنايتك بالمنطلق ، فإن قلت : ما معنى ذكر الأكثر ؟ قلت : كان فيهم من لم يصده عن الإسلام إلا داء واحد : وهو حب الرياسة ، وكفى به داء عضالا . فإن قلت : كيف جعلوا أضل من الأنعام ؟ قلت : لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها ، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها ، وتهتدي لمراعيها ومشاربها . وهؤلاء لا ينقادون لربهم ، ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك ، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الروي سبيلا.