وصف الزوج وهو الصنف من النبات بالكرم ، والكريم : صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه ، يقال : وجه كريم ، إذا رضي في حسنه وجماله ، وكتاب كريم : مرضي في معانيه وفوائده ؛ وقال [من المنسرح ] :
حتى يشق الصفوف من كرمه
[ ص: 378 ] أي : من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه ، والنبات الكريم : المرضي فيما يتعلق به من المنافع "إن في" إنبات تلك الأصناف "لآية" على أن منبتها قادر على إحياء الموتى ، وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم ، غير مرجو إيمانهم وإن ربك لهو العزيز في انتقامه من الكفرة "الرحيم" لمن تاب وآمن وعمل صالحا . فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل ، ولو قيل كم أنبتنا فيها من زوج كريم ؟ قلت : قد دل " كل" على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، و " كم" على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة ، فهذا معنى الجمع بينهما ، وبه نبه على كمال قدرته . فإن قلت : فما معنى وصف الزوج بالكريم ؟ قلت : يحتمل معنيين ، أحدهما : أن النبات على نوعين : نافع وضار ، فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع ، وخلى ذكر الضار . والثاني : أن يعم جميع النبات نافعه وضاره . ويصفهما جميعا بالكرم وينبه على أنه ما أنبت شيئا إلا وفيه فائدة ؛ لأن الحكيم لا يفعل فعلا إلا لغرض صحيح ولحكمة بالغة ، وإن غفل عنها الغافلون ، ولم يتوصل إلى معرفتها العاقلون . فإن قلت : فحين ذكر الأزواج ودل عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة ، وكانت بحيث لا يحصيها إلا عالم الغيب ، كيف قال : إن في [ ص: 379 ] ذلك لآية وهلا قال : آيات ؟ قلت : فيه وجهان : أن يكون ذلك مشارا به إلى مصدر أنبتنا ، فكأنه قال : إن في الإنبات لآية أي آية . وأن يراد : أن في كل واحدة من تلك الأزواج لآية . وقد سبقت لهذا الوجه نظائر .