"فارغا" صفرا من العقل . والمعنى : أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش . ونحو قوله تعالى : وأفئدتهم هواء [إبراهيم : 43 ] أي جوف لا عقول فيها ؛ ومنه بيت [من الوافر ] : حسان
ألا أبلغ أبا سفيان عني . . . فأنت مجوف نخب هواء
وذلك أن القلوب مراكز العقول . ألا ترى إلى قوله : فتكون لهم قلوب يعقلون بها [الحج : 46 ] ويدل عليه قراءة من قرأ : فرغا . وقرئ : "قرعا " ، أي خاليا من قولهم : أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء . وفرغا ، من قولهم : دماؤهم بينهم فرغ ، أي هدر ، يعني : بطل قلبها وذهب ، وبقيت لا قلب لها من شدة ما ورد عليها لتبدي به [ ص: 486 ] لتصحر به . والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته ، وأنه ولدها لولا أن ربطنا على قلبها بإلهام الصبر ، كما يربط على الشيء المنفلت ليقر ويطمئن لتكون من المؤمنين من المصدقين بوعد الله ، وهو قوله : إنا رادوه إليك ويجوز : وأصبح فؤادها فارغا من الهم ، حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه إن كادت لتبدي بأنه ولدها ؛ لأنها لم تملك نفسها فرحا وسرورا بما سمعت ، لولا أنا طامنا قلبها وسكنا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج ، لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون وتعطفه . وقرئ : "مؤسى " ، بالهمزة : جعلت الضمة في جارة الواو -وهي الميم- كأنها فيها ، فهمزت كما تهمز واو وجوه "قصيه" اتبعي أثره وتتبعي خبره . وقرئ : "فبصرت" بالكسر -يقال بصرت به عن جنب وعن جنابة ، بمعنى : عن بعد . وقرئ : "عن جانب " ، "وعن جنب " . والجنب : الجانب . يقال : قعد إلى جنبه وإلى جانبه ، أي : نظرت إليه مزورة متجانفة مخاتلة . وهم لا يحسون بأنها أخته ، وكان اسمها مريم .