فإن قلت : علام عطف قوله : فأقبل بعضهم على بعض ؟ قلت : على يطاف عليهم . والمعنى : يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشرب قال [من الوافر ] :
وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام
[ ص: 211 ] فيقبل بعضهم على بعض "يتساءلون " عما جرى لهم وعليهم في الدنيا ، إلا أنه جيء به ماضيا على عادة الله في أخباره . وقرئ : (من المصدقين ) من التصديق . ومن المصدقين مشدد الصاد ، من التصدق ، وقيل : نزلت في رجل تصدق بماله لوجه الله ، فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه ; فقال : وأين مالك ؟ قال : تصدقت به ليعوضني الله به في الآخرة خيرا منه ، فقال : أئنك لمن المصدقين بيوم الدين . أو من المتصدقين لطلب الثواب . والله لا أعطيك شيئا "لمدينون " لمجزيون ، من الدين وهو الجزاء . أو لمسوسون مربوبون . يقال : دانه ساسه . ومنه الحديث : . "قال " يعني ذلك القائل : "العاقل من دان نفسه " هل أنتم مطلعون إلى النار لأريكم ذلك القرين . قيل : إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار . وقيل : القائل هو الله عز وجل . وقيل : بعض الملائكة يقول لأهل الجنة : هل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار . وقرئ : (مطلعون ) فاطلع . وفأطلع بالتشديد ، على لفظ الماضي والمضارع المنصوب ، ومطلعون فاطلع وفأطلع بالتحفيف على لفظ الماضي والمضارع والمنصوب يقال : طلع علينا فلان ، واطلع وأطلع بمعنى واحد ، والمعنى : هل أنتم مطلعون إلى القرين فأطلع أنا أيضا . أو عرض عليهم الاطلاع فاعترضوه ، فاطلع هو بعد ذلك . وإن جعلت الإطلاع من أطلعه غيره ، فالمعنى : أنه لما شرط في اطلاعه اطلاعهم ، وهو من آداب المجالسة . أن لا يستبد بشيء دون جلسائه ، فكأنهم مطلعوه . وقيل : الخطاب على هذا للملائكة . وقرئ : (مطلعون ) بكسر النون ، أراد : مطلعون إياي ، فوضع المتصل موضع المنفصل ، كقوله [من الطويل ] :
[ ص: 212 ]
هم الفاعلون الخير والآمرونه
أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخ بينهما ، كأنه قال : تطلعون ، وهو ضعيف لا يقع إلا في الشعر في سواء الجحيم في وسطها ، يقال : تعبت حتى انقطع سوائي ، وعن : قال لي أبي عبيدة : كنت أكتب يا عيسى بن عمر حتى ينقطع سوائي "إن " مخففة من الثقيلة ، وهي تدخل على "كاد " كما تدخل على "كان " ونحوه : أبا عبيدة إن كاد ليضلنا [الفرقان : 42 ] واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، والإرداء : الإهلاك . وفى قراءة عبد الله : (لتغوين ) نعمة ربي هي في الاستمساك بعروة الإسلام ، والبراءة من قرين السوء . أو إنعام الله بالثواب وكونه من أهل الجنة العصمة والتوفيق من المحضرين من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك .