أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم وينزل عليه الكتاب من بينهم ، كما قالوا : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف : 31 ] ، وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم بل هم في شك من القرآن ، يقولون في أنفسهم : إما وإما . وقولهم : إن هذا إلا اختلاق [ ص: 245 ] كلام مخالف لاعتقادهم فيه يقولونه على سبيل الحسد . بل لما يذوقوا عذاب بعد ، فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد حينئذ ، يعني : أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب مضطرين إلى تصديقه . أم عندهم خزائن رحمة ربك يعني : ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاءوا ، ويتخيروا للنبوة بعض صناديدهم ، ويترفعوا بها عن محمد عليه الصلاة والسلام . وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها : العزيز القاهر على خلقه ، الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها ، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته وعدله ، كما قال : أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا [الزخرف : 32 ] ثم رشح هذا المعنى فقال : أم لهم ملك السماوات والأرض حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء ، ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال : وإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة ، وكانت عندهم الحكمة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوة دون من لا تحق له فليرتقوا في الأسباب فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش ، حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله ، وينزلوا الوحي إلى من يختارون ويستصوبون ، ثم خسأهم خساءة عن ذلك بقوله : جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب يريد : ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله ، مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون ، [ ص: 246 ] ولا تكترث لما به يهزءون . و "ما " مزيدة ، وفيها معنى الاستعظام ، كما في قول امرئ القيس [من البسيط ] :
فحديث ما على قصره
إلا أنه على سبيل الهزء و "هنالك " إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم ، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله : لست هنالك .