اللات والعزى أصنام كانت لهم، وهي مؤنثات; فاللات كانت لثقيف بالطائف. وقيل: كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فعلة من لوى; لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة، أو يلتوون عليها: أي يطوفون. وقرئ: (اللات) بالتشديد. وزعموا أنه سمي برجل كان يلت عنده السمن بالزيت ويطعمه الحاج. وعن : كان رجلا يلت [ ص: 642 ] السويق بالطائف، وكانوا يعكفون على قبره، فجعلوه وثنا، والعزى كانت مجاهد لغطفان وهي سمرة ، وأصلها تأنيث الأعز. وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعها، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها وهو يقول [من الرجز]: خالد بن الوليد
يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك
ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: تلك العزى ولن تعبد أبدا. [ ص: 643 ] ومناة: صخرة كانت لهذيل وخزاعة. وعن رضي الله عنهما: ابن عباس لثقيف. وقرئ: (ومناءة) وكأنها سميت مناة; لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها، أي: تراق، ومناءة مفعلة من النوء، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها. و "الأخرى" ذم، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله تعالى: وقالت أولاهم لأخراهم [الأعراف: 38] أي: وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم. ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى. كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى مع وأدهم البنات، فقيل لهم: ألكم الذكر وله الأنثى ويجوز أن يراد: أن اللات والعزى ومناة إناث، وقد جعلتموهن لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادا لله وتسمونهن آلهة قسمة ضيزى جائرة، من ضازه يضيزه إذا ضامه، والأصل: ضوزى. ففعل بها ما فعل ببيض; لتسلم الياء. وقد قرئ: (ضئزى) من ضأزه بالهمز. وضيزى: بفتح الضاد "هي" ضمير الأصنام، أي: ما هي إلا أسماء ليس تحتها في الحقيقة مسميات; لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شيء منها وأشده منافاة لها. ونحوه قوله تعالى: ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها [يوسف: 40] أو ضمير الأسماء وهي قولهم، اللات والعزى ومناة، وهم يقصدون بهذه الأسماء الآلهة، يعني: ما هذه الأسماء إلا أسماء سميتموها بهواكم وشهوتكم، ليس لكم من الله على صحة تسميتها برهان تتعلقون به. ومعنى "سميتموها" سميتم بها، يقال: سميته زيدا، وسميته بزيد إن يتبعون وقرئ بالتاء إلا الظن إلا توهم أن ما هم عليه حق، وأن آلهتهم شفعاؤهم، وما تشتهيه أنفسهم، ويتركون ما جاءهم من الهدى والدليل على أن دينهم باطل.