فإن كان لهن ولد : منكم أو من غيركم . جعلت المرأة على النصف من الرجل بحق الزواج ، كما جعلت كذلك بحق النسب ، والواحدة والجماعة سواء في الربع والثمن ، وإن كان رجل : يعني الميت ، و يورث : من ورث ، أي : يورث منه وهو صفة لـ “رجل" ، و كلالة : خبر كان ، أي : وإن كان رجل موروث منه كلالة ، أو يجعل "يورث" خبر كان ، و “ كلالة" حالا من الضمير في يورث ، وقرئ "يورث" و "يورث" بالتخفيف والتشديد على البناء للفاعل ، وكلالة حال أو مفعول به . فإن قلت : ما الكلالة؟ قلت : ينطلق على ثلاثة : على من لم يخلف ولدا ولا والدا ، وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين ، وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد ، ومنه قولهم : ما ورث المجد عن كلالة ، كما تقول : ما صمت عن عي ، وما كف عن جبن ، والكلالة في الأصل : مصدر بمعنى الكلال ، وهو ذهاب القوة من الإعياء . قال الأعشى [من الطويل] :
فآليت لا أرثي لها من كلالة
فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد ، لأنها بالإضافة إلى قرابتها كالة ضعيفة ، وإذا جعل صفة للموروث أو الوارث فبمعنى ذي كلالة . كما تقول : فلان من قرابتي ، تريد من ذوي قرابتي ، ويجوز أن تكون صفة كالهجاجة والفقاقة للأحمق . فإن قلت : فإن جعلتها اسما للقرابة في الآية فعلام تنصبها؟ قلت : على أنها مفعول له أي : يورث لأجل الكلالة أو يورث غيره لأجلها ، فإن قلت : فإن جعلت "يورث" على البناء للمفعول من [ ص: 39 ] أورث ، فما وجهه؟ قلت : الرجل حينئذ هو الوارث لا الموروث . فإن قلت : فالضمير في قوله : فلكل واحد منهما : إلى من يرجع حينئذ؟ قلت : إلى الرجل وإلى أخيه أو أخته ، وعلى الأول إليهما . فإن قلت : إذا رجع الضمير إليهما أفاد استواءهما في حيازة السدس من غير مفاضلة الذكر الأنثى ، فهل تبقى هذه الفائدة قائمة في هذا الوجه؟ قلت : نعم ، لأنك إذا قلت : السدس له أو لواحد من الأخ أو الأخت على التخيير فقد سويت بين الذكر والأنثى ، وعن رضي الله عنه - ، أنه سئل عن أبي بكر الصديق - فقال : أقول فيه برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله منه بريء . الكلالة : ما خلا الولد والوالد ، وعن الكلالة عطاء : أن والضحاك هو الموروث ، وعن الكلالة : هو الوارث ، وقد أجمعوا على أن المراد أولاد الأم ، وتدل عليه قراءة سعيد بن جبير : "وله أخ أو أخت من الأم" ، وقراءة أبي : "وله أخ أو أخت من أم" ، وقيل : إنما استدل على أن الكلالة هاهنا الإخوة للأم خاصة بما ذكر في آخر السورة من أن للأختين الثلثين وأن للإخوة كل المال ، فعلم هاهنا - لما جعل للواحد السدس ، وللاثنين الثلث ، ولم يزادوا على الثلث شيئا - أنه يعني بهم الإخوة للأم ، وإلا فالكلالة عامة لمن عدا الولد والوالد من سائر الإخوة الأخياف والأعيان وأولاد العلات وغيرهم سعد بن أبي وقاص غير مضار : حال ، أي : يوصي بها وهو غير مضار لورثته وذلك أن يوصي بزيادة على الثلث ، أو يوصي بالثلث فما دونه ، ونيته مضارة ورثته ومغاضبتهم لا وجه الله تعالى ، وعن : كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه ، وعن قتادة : المضارة في الدين أن يوصي بدين ليس عليه ومعناه الإقرار الحسن وصية من الله : مصدر مؤكد ، أي : يوصيكم بذلك وصية ، كقوله : فريضة من الله [النساء : 11] ويجوز أن تكون منصوبة [ ص: 40 ] بـ “ غير مضار" ، أي : لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بزيادته على الثلث أو وصية من الله بالأولاد وألا يدعهم عالة بإسرافه في الوصية ، وينصر هذا الوجه قراءة : "غير مضار وصية من الله" بالإضافة الحسن والله عليم : بمن جار أو عدل في وصيته حليم : عن الجائر لا يعالجه ، وهذا وعيد . فإن قلت : في يوصي : ضمير الرجل إذا جعلته الموروث ، فكيف تعمل إذا جعلته الوارث؟ قلت : كما علمت في قوله تعالى : فلهن ثلثا ما ترك [النساء : 11] لأنه علم أن التارك والموصي هو الميت . فإن قلت : فأين ذو الحال فيمن قرأ "يوصى بها" على ما لم يسم فاعله؟ يضمر "يوصى" فينتصب عن فاعله لأنه لما قيل يوصي بها : علم أن ثم موصيا ، كما قال : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال [النور : 36] على ما لم يسم فاعله ، فعلم أن ثم مسبحا ، فأضمر يسبح فكما كان "رجال" فاعلا يدل عليه "يسبح" ، كان "غير مضار" حالا عما يدل عليه "يوصى بها" .