الطول : الفضل ، يقال : لفلان على فلان طول أي زيادة وفضل ، وقد طاله طولا فهو طائل . قال [من الطويل] :
لقد زادني حبا لنفسي أنني بغيض إلى كل امرئ غير طائل
ومنه قولهم : ما حلا منه بطائل ، أي : بشيء يعتد به مما له فضل وخطر ، ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه ، كما أن القصر قصور فيه ونقصان ، والمعنى : ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة . قال : من ملك ثلاثمائة درهم فقد وجب عليه الحج وحرم عليه ابن عباس ، وهو الظاهر ، وعليه [ ص: 59 ] مذهب نكاح الإماء - رحمه الله - وأما الشافعي - رحمه الله - فيقول : الغني والفقير سواء في جواز نكاح الأمة ، ويفسر الآية بأن من لم يملك فراش الحرة ، على أن النكاح هو الوطء ، فله أن ينكح أمة ، وفي رواية عن أبو حنيفة أنه قال : ومما وسع الله على هذه الأمة ابن عباس وإن كان موسرا ، وكذلك قوله : نكاح الأمة واليهودية والنصرانية من فتياتكم المؤمنات : الظاهر أنه لا يجوز ، وهو مذهب أهل نكاح الأمة الكتابية الحجاز ، وعند أهل العراق يجوز نكاحها ، ونكاح الأمة المؤمنة أفضل ، فحملوه على الفضل لا على الوجوب ، واستشهدوا على أن الإيمان ليس بشرط يوصف الحرائر به ، مع علمنا أنه ليس بشرط فيهن على الاتفاق ، ولكنه أفضل . فإن قلت : لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة؟ قلت : لما فيه من إتباع الولد الأم في الرق ، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها ، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة ، والعزة من صفات المؤمنين ، وقوله من فتياتكم أي من فتيات المسلمين ، لا من فتيات غيركم وهم المخالفون في الدين . فإن قلت : فما معنى قوله : والله أعلم بإيمانكم ؟ قلت : معناه أن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم ، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة ، والمرأة أفضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين أن لا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب ، وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه بعضكم من بعض أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الإيمان لا يفضل حر عبدا إلا برجحان فيه بإذن أهلهن : اشتراط لإذن الموالي في نكاحهن ، ويحتج به لقول : إن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن ، لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم . أبي حنيفة وآتوهن أجورهن بالمعروف وأدوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء واللز . فإن قلت : الموالي هم ملاك مهورهن لا هن ، والواجب [ ص: 60 ] أداؤها إليهم لا إليهن فلم قيل : "وآتوهن"؟ قلت : لأنهن وما في أيديهن مال الموالي ، فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالي . أو على أن أصله : فآتوا مواليهن ، فحذف المضاف والمحصنات عفائف ، والأخدان : الأخلاء في السر ، كأنه قيل : غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له فإذا أحصن بالتزويج ، وقرئ : "أحصن" نصف ما على المحصنات أي : الحرائر من العذاب : من الحد كقوله : وليشهد عذابهما [النور : 2] ويدرأ عنها العذاب [النور : 8] ولا رجم عليهن ، لأن الرجم لا يتنصف ، "ذلك" : إشارة إلى نكاح الإماء لمن خشي العنت لمن خاف الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة ، وأصل العنت : انكسار العظم بعد الجبر ، فاستعير لكل مشقة وضرر ، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم ، وقيل : أريد به الحد ، لأنه إذا هويها خشي أن يواقعها فيحد فيتزوجها وأن تصبروا في محل الرفع على الابتداء ، أي : وصبركم عن نكاح الإماء متعففين خير لكم وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " الحرائر صلاح البيت ، والإماء هلاك البيت" .