فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين
فكذبوه فتموا على تكذيبه في دعوى النبوة ، وما نزل عليه من الوحي الذي بلغه إليهم ، وأنذرهم بما في [ ص: 237 ] تضاعيفه ، واستمروا على ذلك هذه المدة المتطاولة بعد ما كرر عليه الصلاة والسلام عليهم الدعوة مرارا ، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا حسبما نطق به قوله تعالى : رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا الآيات ; إذ هو الذي يعقبه الإنجاء والإغراق لا مجرد التكذيب .
فأنجيناه والذين معه من المؤمنين ، قيل : كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة ، وقيل : تسعة : أبناؤه الثلاثة وستة ممن آمن به .
وقوله تعالى : في الفلك متعلق بالاستقرار في الظرف ; أي : استقروا معه في الفلك أو صحبوه فيه ، أو بفعل الإنجاء ; أي : أنجيناهم في السفينة . ويجوز أن يتعلق بمضمر وقع حالا من الموصول ، أو من ضميره في الظرف .
وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ; أي : استمروا على تكذيبها ، وليس المراد بهم : الملأ المتصدين للجواب فقط ، بل كل من أصر على التكذيب منهم ومن أعقابهم ، وتقديم ذكر الإنجاء على الإغراق للمسارعة إلى الإخبار به ، والإيذان بسبق الرحمة التي هي مقتضى الذات ، وتقدمها على الغضب الذي يظهر أثره بمقتضى جرائمهم .
إنهم كانوا قوما عمين عمي القلوب غير مستبصرين ، قال رضي الله تعالى عنهما : عميت قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد . وقرئ : ( عامين ) ، والأول أدل على الثبات والقرار . ابن عباس