وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون ; أي : بالاستعباد وذبح الأبناء ، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار الاستضعاف وتجدده ، وهم بنو إسرائيل ، ذكروا بهذا العنوان إظهارا لكمال لطفه تعالى بهم ، وعظيم إحسانه إليهم في رفعهم من حضيض المذلة إلى أوج العزة .
مشارق الأرض ومغاربها ; أي : جانبيها الشرقي والغربي ، حيث ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة ، وتصرفوا في أكنافها الشرقية والغربية كيف شاءوا .
وقوله تعالى : التي باركنا فيها ; أي : بالخصب وسعة الأرزاق ، صفة للمشارق والمغارب ، وقيل : للأرض ، وفيه ضعف للفصل بين الصفة والموصوف بالمعطوف ، كما في قولك : قام أم هند وأبوها العاقلة .
وتمت كلمت ربك الحسنى وهي وعده تعالى إياهم بالنصر والتمكين ، كما ينبئ عنه قوله تعالى : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، وقرئ : ( كلمات ) لتعدد المواعيد ، ومعنى تمت : مضت واستمرت . [ ص: 267 ]
على بني إسرائيل بما صبروا ; أي : بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من جهة فرعون وقومه .
ودمرنا ; أي : خربنا وأهلكنا .
ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات والقصور ; أي : ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه ، على أن "فرعون" اسم كان ، و" يصنع " خبر مقدم ، والجملة الكونية صلة " ما " ، والعائد محذوف . وقيل : اسم كان ضمير عائد إلى ما الموصولة ، ويصنع مسند إلى فرعون ، والجملة خبر كان ، والعائد محذوف أيضا ، والتقدير : ودمرنا الذي كان هو يصنعه فرعون ... إلخ .
وقيل : كان زائدة ، وما مصدرية ، والتقدير : ما يصنع فرعون ... إلخ . وقيل : كان زائدة كما ذكر ، وما موصولة اسمية ، والعائد محذوف ، تقديره : ودمرنا الذي يصنعه فرعون ... إلخ ; أي : صنعه ، والعدول إلى صيغة المضارع على هذين القولين لاستحضار الصورة .
وما كانوا يعرشون من الجنات ، أو ما كانوا يرفعونه من البنيان كصرح هامان ، وقرئ : ( يعرشون ) بضم الراء ، والكسر أفصح ، وهذا آخر قصة فرعون وقومه .