وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون
وإذ قالت عطف على " إذ يعدون " ، مسوق لتماديهم في العدوان وعدم انزجارهم عنه بعد العظات والإنذارات .
أمة منهم ; أي : جماعة من صلحائهم الذين ركبوا في عظتهم متن كل صعب وذلول ، حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير ، مبالغة في الإعذار وطمعا في فائدة الإنذار .
لم تعظون قوما الله مهلكهم ; أي : مخترمهم بالكلية ومطهر الأرض منهم .
أو معذبهم عذابا شديدا دون الاستئصال بالمرة ، وقيل : مهلكهم مخزيهم في الدنيا ، أو معذبهم في الآخرة لعدم إقلاعهم عما كانوا عليه من الفسق والطغيان ، والترديد لمنع الخلو دون منع الجمع ، فإنهم مهلكون في الدنيا ومعذبون في الآخرة ، وإيثار صيغة اسم الفاعل مع أن كلا من الإهلاك والتعذيب مترقب للدلالة على تحققهما وتقررهما البتة ، كأنهما واقعان ، وإنما قالوه مبالغة في أن الوعظ لا ينجع فيهم ، أو ترهيبا للقوم ، أو سؤالا عن حكمة الوعظ ونفعه ، ولعلهم إنما قالوه بمحضر من القوم حثا لهم على الاتعاظ ، فإن بت القول بهلاكهم وعذابهم بما يلقي في قلوبهم الخوف والخشية .
وقيل : المراد : طائفة من الفرقة الهالكة ، أجابوا به وعاظهم ردا عليهم وتهكما بهم ، وليس بذاك كما ستقف عليه .
قالوا ; أي : الوعاظ .
معذرة إلى ربكم ; أي : نعظهم معذرة إليه تعالى ، على أنه مفعول له ، وهو الأنسب بظاهر قولهم : لم تعظون ، أو نعتذر معذرة على أنه مصدر لفعل محذوف ، وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ; أي : موعظتنا معذرة إليه تعالى ، حتى لا ننسب إلى نوع تفريط في النهي عن المنكر ، وفي إضافة الرب إلى ضمير المخاطبين نوع تعريض بالسائلين .
ولعلهم يتقون عطف على معذرة ; أي : ورجاء لأن يتقوا بعض التقاة ، وهذا صريح في أن القائلين : لم تعظون ... إلخ ، ليسوا من الفرقة الهالكة ، وإلا لوجب الخطاب . [ ص: 286 ]