وأملي لهم إن كيدي متين
وأملي لهم عطف على سنستدرجهم غير داخل في حكم السين ، لما أن الإملاء الذي هو عبارة عن الإمهال والإطالة ليس من الأمور التدريجية ، كالاستدراج الحاصل في نفسه شيئا فشيئا ، بل هو فعل يحصل دفعة ، وإنما الحاصل بطريق التدريج آثاره [ ص: 298 ] وأحكامه لا نفسه ، كما يلوح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير مع ما فيه من الافتنان المنبئ عن مزيد الاعتناء بمضمون الكلام ، لابتنائه على تجديد القصد والعزيمة .
وأما إن ذلك للإشعار بأنه بمحض التقدير الإلهي ، والاستدراج بتوسط المدبرات ، فمبناه دلالة نون العظمة على الشركة ، وأنى ذلك وإلا لاحترز عن إيرادها في قوله تعالى : ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ... الآية ، بل إنما إيرادها في أمثال هذه الموارد بطريق الجريان على سنن الكبرياء .
إن كيدي متين تقرير للوعيد وتأكيد له ; أي : قوي لا يدافع بقوة ولا بحيلة ، والمراد به : إما الاستدراج والإملاء مع نتيجتهما التي هي الأخذ الشديد على غرة ، فتسميته كيدا لما أن ظاهره لطف وباطنه قهر ، وإما نفس ذلك الأخذ فقط ; فالتسمية لكون مقدماته كذلك .
وأما أن حقيقة الكيد هو الأخذ على خفاء من غير أن يعتبر فيه إظهار خلاف ما أبطنه ، فمما لا تعويل عليه مع عدم مناسبته للمقام ، ضرورة استدعائه لاعتبار القيد المذكور حتما .