قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون
وقوله تعالى : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا شروع في الجواب عن السؤال ببيان عجزه عن علمها ، إثر بيان عجز الكل عنه ، وإبطال زعمهم الذي بنوا عليه سؤالهم من كونه صلى الله عليه وسلم ممن يعلمها ، وإعادة الأمر لإظهار كمال العناية بشأن الجواب ، والتنبيه على استقلاله ومغايرته للأول ، والتعرض لبيان عجزه عما ذكر من النفع والضر لإثبات عجزه عن علمها بالطريق البرهاني .
واللام إما متعلق بأملك ، أو بمحذوف وقع حالا من نفعا ; أي : لا أقدر لأجل نفسي على جلب نفع ما ولا على دفع ضر ما .
إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك بأن يلهمنيه فيمكنني منه ويقدرني عليه ، أو لكن ما شاء الله من ذلك كائن ; فالاستثناء منقطع ، وهذا أبلغ في إظهار العجز .
ولو كنت أعلم الغيب ; أي : جنس الغيب الذي من جملته ما بين الأشياء من المناسبات المصححة عادة للسببية والمسببية ، ومن المباينات المستتبعة للممانعة والمدافعة .
لاستكثرت من الخير ; أي : لحصلت كثيرا من الخير الذي نيط تحصيله بالأفعال الاختيارية للبشر بترتيب أسبابه ودفع موانعه .
وما مسني السوء ; أي : السوء الذي يمكن التفصي عنه بالتوقي عن موجباته ، والمدافعة بموانعه لا سوء ما ، فإن منه ما لا مدفع له .
إن أنا إلا نذير وبشير ; أي : ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة ، شأني حيازة ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية ، لا الوقوف على الغيوب التي لا علاقة بينها وبين الأحكام والشرائع ، وقد كشفت من أمر الساعة ما يتعلق به الإنذار من مجيئها لا محالة واقترابها ، وأما تعيين وقتها فليس ما يستدعيه الإنذار ، بل هو مما يقدح فيه ، لما مر من أن إيهامه أدعى إلى الانزجار عن المعاصي ، وتقديم النذير على البشير لما أن المقام مقام الإنذار .
وقوله تعالى : لقوم يؤمنون إما متعلق بهما جميعا ; لأنهم ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالبشارة ، وإما بالبشير فقط ، وما يتعلق بالنذير محذوف ; أي : نذير للكافرين ; أي : الباقين على الكفر ، وبشير لقوم يؤمنون ; أي : في أي وقت كان ; ففيه ترغيب للكفرة في إحداث الإيمان ، وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان .