ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون
وقوله تعالى : ألهم أرجل يمشون بها ... إلخ ، تبكيت إثر تبكيت ، مؤكد لما يفيده الأمر التعجيزي من عدم الاستجابة ببيان فقدان آلاتها بالكلية ، فإن الاستجابة من الهياكل الجسمانية إنما تتصور ، إذا كان لها حياة وقوى محركة ومدركة ، وما ليس له شيء من ذلك فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة ، كأنه قيل : ألهم هذه الآلات التي بها تتحقق الاستجابة حتى يمكن استجابتهم لكم .
وقد وجه الإنكار إلى كل واحدة من هذه الآلات الأربع على حدة ; تكريرا للتبكيت ، وتثنية للتقريع ، إشعارا بأن انتفاء كل واحدة منها بحيالها كاف في الدلالة على استحالة الاستجابة .
ووصف الأرجل بالمشي بها ; للإيذان بأن مدار الإنكار هو الوصف ، وإنما وجه إلى الأرجل لا إلى الوصف بأن يقال : أيمشون بأرجلهم لتحقيق أنها حيث لم يظهر منها ما يظهر من سائر الأرجل ، فهي ليست بأرجل في الحقيقة ، وكذا الكلام فيما بعده من الجوارح الثلاث الباقية .
وكلمة " أم " في قوله تعالى : أم لهم أيد يبطشون بها منقطعة ، وما فيها من الهمزة لما مر من التبكيت والإلزام ، وبل للإضراب المفيد للانتقال من فن من التبكيت بعد تمامه إلى فن آخر منه ، لما ذكر من المزايا والبطش الأخذ بقوة .
وقرئ : ( يبطشون ) بضم الطاء ، وهي لغة فيه ، والمعنى : بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون أخذه ، وتأخير هذا عما قبله ، لما أن المشي حالهم في أنفسهم ، والبطش حالهم بالنسبة إلى الغير .
وأما تقديمه على قوله تعالى : أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها [ ص: 307 ] مع أن الكل سواء في أنها من أحوالهم بالنسبة إلى الغير ; فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل ، ولأن انتفاء المشي والبطش أظهر ، والتبكيت بذلك أقوى ، وأما تقديم الأعين فلما أنها أشهر من الآذان ، وأظهر عينا وأثرا .
هذا وقد قرئ : ( إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم ) على إعمال " إن " النافية عمل " ما " الحجازية ; أي : ما الذين تدعون من دونه تعالى عبادا أمثالكم ، بل أدنى منكم ; فيكون قوله تعالى : " ألهم ... " إلخ ، تقريرا لنفي المماثلة بإثبات القصور والنقصان .
قل ادعوا شركاءكم بعد ما بين أن شركاءهم لا يقدرون على شيء ما أصلا ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يناصبهم للمحاجة ، ويكرر عليهم التبكيت وإلقام الحجر ; أي : ادعوا شركاءكم واستعينوا بهم علي .
ثم كيدون جميعا أنتم وشركاؤكم ، وبالغوا في ترتيب ما تقدرون عليه من مبادئ الكيد والمكر .
فلا تنظرون ; أي : فلا تمهلوني ساعة بعد ترتيب مقدمات الكيد ، فإني لا أبالي بكم أصلا .