والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار
والذين ينقضون عهد الله أريد بهم من يقابل الأولين، ويعاندهم في الاتصاف بنقائض صفاتهم. من بعد ميثاقه من بعد ما أوثقوه من الاعتراف والقبول ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الإيمان بجميع الأنبياء المجمعين على الحق، حيث يؤمنون ببعضهم، ويكفرون ببعضهم، ومن حقوق الأرحام وموالاة المؤمنين وغير ذلك. مما لا يراعون حقوقه من الأمور المعدودة فيما سلف. وإنما لم يتعرض لنفي الخشية والخوف عنهم صريحا، لدلالة النقض، والقطع على ذلك. وأما عدم التعرض لنفي الصبر المذكور فلأنه إنما اعتبر تحققه في ضمن الحسنات المعدودة، ليقعن معتدا بهن فلا وجه لنفيه عمن بينه وبين الحسنات بعد المشرقين. كما لا وجه لنفي الصلاة والزكاة ممن لا يحوم حول أصل الإيمان بالله تعالى فضلا عن فروع الشرائع، وإن أريد بالإنفاق التطوع فنفيه مندرج تحت قطع ما أمر الله تعالى بوصله ، وأما درء السيئة بالحسنة فانتفاؤه عنهم ظاهر مما سبق ولحق. فإن من يجازي إحسانه عز وجل بنقض العهد، ومخالفة الأمر، ويباشر الفساد. بدأ حسبما يحكيه قوله تعالى عز وعلا ويفسدون في الأرض أي: بالظلم وتهيج الفتن. كيف يتصور منه مجازاة الإساءة بالإحسان، على أن يشعر بأن له دخلا في الإفضاء إلى [ ص: 19 ] العقوبة التي ينبئ عنها قوله تعالى أولئك ..إلخ؟ أي: أولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح لهم بسبب ذلك اللعنة أي: الإبعاد من رحمة الله تعالى ولهم مع ذلك سوء الدار أي: سوء عاقبة الدنيا أو عذاب جهنم، فإنها دارهم، لأن ترتيب الحكم على الموصول مشعر بعلية الصلة له، ولا يخفى أنه لا دخل له في ذلك على أكثر التفاسير. فإن مجازاة السيئة بمثلها مأذون فيها. ودفع الكلام السيئ بالحسن . وكذا الإعطاء عند المنع، والعفو عند الظلم، والوصل عند القطع، ليس مما يورث تركه تبعة. وأما ما اعتبر اندراجه تحت الصلة الثانية من الإخلال ببعض الحقوق المندوبة. فلا ضير في ذلك لأن اعتباره من حيث إنه من مستتبعات الإخلال بالعزائم بالكفر ببعض الأنبياء، وعقوق الوالدين، وترك سائر الحقوق الواجبة، وتكرير لهم للتأكيد، والإيذان باختلافهما، واستقلال كل منهما في الثبوت.