الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والمراد: تثبيته على ما كان عليه من عدم حسبانه عز وجل، كذلك نحو قوله: ولا تكونن من [ ص: 55 ] المشركين، ونظائره مع ما فيه من الإيذان بكونه واجب الاحتراز عنه في الغاية، حتى نهي عنه من لا يمكن تعاطيه، أو نهيه عليه السلام عن حسبانه تعالى، تاركا لعقابهم على طريقة العفو. والتعبير عنه بذلك للمبالغة في النهي، والإيذان بأن ذلك الحسبان بمنزلة حسبانه تعالى، غافلا عن أعمالهم إذ العلم بذلك مستوجب لعقابهم لا محالة، فتركه لو كان للغفلة عما يوجبه من أعمالهم الخبيثة، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعد له أكيد، ووعيد للكفر، وسائر الظالمين شديد، أو لكل أحد ممن يستعجل عذابهم، أو يتوهم إهمالهم للجهل بصفاته تعالى، والاغترار بإمهاله. وقيل معناه: لا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل عما عملوا، بل معاملة من يحافظ على أعمالهم، ويجازيهم بذلك نقيرا وقطميرا. والمراد بالظالمين: أهل مكة ممن عدت مساوئهم من تبديل نعمة الله تعالى كفرا، وإحلال قومهم دار البوار، واتخاذ الأنداد. كما يؤذن به التعرض لحكمة التأخير المنبئ عنه قوله تعالى: قل تمتعوا الآية. أو جنس الظالمين، وهم داخلون في الحكم دخولا أوليا، إنما يؤخرهم يمهلهم متمتعين بالحظوظ الدنياوية، ولا يعجل عقوبتهم، حسبما يشاهد. وهو استئناف وقع تعليلا للنهي السابق، أي: دم على ما كنت عليه، من عدم حسبانه تعالى غافلا عن أعمالهم، ولا تحزن بتأخير ما تستوجبه من العذاب الأليم إذ تأخيره للتشديد، والتغليظ، أو لا تحسبنه تعالى تاركا لعقوبتهم لما ترى من تأخيرها، إنما ذلك لأجل هذا، أو لا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل، ولا يؤاخذهم بما عملوا لما ترى من التأخير، إنما هو لهذه الحكمة. وقرئ: بالنون. وإيقاع التأخير عليهم مع أن المؤخر إنما هو عذابهم لتهويل الخطب، وتفظيع الحال، ببيان أنهم متوجهون إلى العذاب، مرصدون لأمر ما لا أنهم باقون باختيارهم، وللدلالة على أن حقهم من العذاب هو الاستئصال بالمرة، وأن لا يبقى منهم في الوجود عين، ولا أثر. وللإيذان بأن المؤخر له من جملة العذاب، وعنوانه. ولو قيل: إنما يؤخر عذابهم ... إلخ. لما فهم ذلك ليوم هائل تشخص فيه الأبصار ترتفع أبصار أهل الموقف، فيدخل في زمرتهم الكفرة المعهودون دخولا أوليا، أي: تبقى مفتوحة، لا تتحرك أجفانهم من هول ما يرونه، واعتبار عدم قرارها في أماكنها، إما باعتبار الارتفاع الحسي في جرم العين، وإما بجعل الصيغة من شخص من بلد إلى بلد، وسار في الارتفاع.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية