فأسر بأهلك شروع في ترتيب مبادئ النجاة، أي اذهب بهم في الليل. وقرئ: بالوصل. وكلاهما من السرى: وهو السير في الليل، وقرئ: فـ (سر) من السير. بقطع من الليل بطائفة منه، أو من آخره قال:
افتحي الباب وانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم
وقيل: هو بعد ما مضى منه شيء صالح.
واتبع أدبارهم وكن على أثرهم تذودهم، وتسرع بهم، وتطلع على أحوالهم. ولعل إيثار الاتباع على السوق مع أنه المقصود بالأمر للمبالغة في ذلك، إذ السوق ربما يكون بالتقدم على بعض مع التأخر عن بعض، ويلزمه عادة الغفلة عن حال المتأخر، والالتفات المنهي عنه بقوله تعالى: ولا يلتفت منكم أي: منك ومنهم أحد ، فيرى ما وراءه من الهول فلا يطيقه، أو يصيبه ما أصابهم، أو ولا ينصرف منكم أحد، ولا يتخلف لغرض فيصيبه العذاب. وقيل: نهوا عن ذلك ليوطنوا أنفسهم على المهاجرة، أو هو نهي عن ربط القلب بما خلفوه، أو هو للإسراع في السير، فإن الملتفت قلما يخلو عن أدنى وقفة، وعدم ذكر استثناء المرأة من الإسراء، والالتفات لا يستدعي عدم وقوعه، فإن ذلك لما عرفت مرارا للاكتفاء بما ذكر في مواضع أخر وامضوا حيث تؤمرون إلى حيث أمركم الله تعالى بالمضي إليه، وهو الشام أو مصر. وحذف الصلتين على الاتساع المشهور، وإيثار المضي إلى ما ذكر على الوصول إليه، واللحوق به للإيذان بأهمية النجاة، ولمراعاة المناسبة بينه وبين ما سلف من الغابرين.