ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون
ينبت أي: الله عز وجل. وقرئ: بالنون. لكم به بما أنزل من السماء. الزرع والزيتون والنخيل والأعناب بيان للنعم الفائضة عليهم من الأرض [ ص: 101 ] بطريق الاستئناف، وإيثار صيغة الاستقبال للدلالة على التجدد والاستمرار، وأنها سنته الجارية على مر الدهور. أو لاستحضار صورة الإنبات، وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر آنفا مع ما في تقديم أولهما من الاهتمام به لإدخال المسرة ابتداء، وتقديم الزرع على ما عداه لأنه أصل الأغذية وعمود المعاش، وتقديم الزيتون لما فيه من الشرف من حيث إنه إدام من وجه وفاكهة من وجه، وتقديم النخيل على الأعناب لظهور أصالتها وبقائها. وجمع الأعناب للإشارة إلى ما فيها من الاشتمال على الأصناف المختلفة، وتخصيص الأنواع المعدودة بالذكر مع اندراجها تحت قوله تعالى: ومن كل الثمرات للإشعار بفضلها. وتقديم الشجر عليها مع كونه غذاء للأنعام لحصوله بغير صنع من البشر، أو للإرشاد إلى مكارم الأخلاق، فإن مقتضاها أن يكون اهتمام الإنسان بأمر ما تحت يده، وأكمل من اهتمامه بأمر نفسه، أو لأن أكثر المخاطبين من أصحاب المواشي ليس لهم زرع، ولا ثمر. وقيل: المراد: تقديم ما يسام لا تقديم غذائه، فإنه غذاء حيواني للإنسان، وهو أشرف الأغذية. وقرئ: (ينبت) من الثلاثي مسندا إلى الزرع، وما عطف عليه إن في ذلك أي: في إنزال الماء، وإنبات ما فصل لآية عظيمة دالة على تفرده تعالى بالألوهية لاشتماله على كمال العلم والقدرة والحكمة، لقوم يتفكرون فإن من تفكر في أن الحبة أو النواة تقع في الأرض، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أسفلها، فيخرج منه عروق تنبسط في أعماق الأرض، وينشق أعلاها، وإن كانت منتكسة في الوقوع، ويخرج منه ساق فينمو، ويخرج منه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطبائع، وعلى نواة قابلة لتوليد الأمثال على النمط المحرر لا إلى نهاية مع اتحاد المواد، واستواء نسبة الطبائع السفلية، والتأثيرات العلوية بالنسبة إلى الكل علم أن من هذه أفعاله، وآثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في شيء من صفات الكمال، فضلا عن أن يشاركه أخس الأشياء في أخص صفاته التي هي الألوهية واستحقاق العبادة تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وحيث افتقر سلوك هذه الطريقة إلى ترتيب المقدمات الفكرية قطع الآية الكريمة بالتفكر.