إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
إن الله يأمر أي: فيما نزله تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. وإيثار صيغة الاستقبال فيه، وفيما بعده لإفادة التجدد والاستمرار. بالعدل بمراعاة التوسط بين طرفي الإفراط، والتفريط. وهو رأس الفضائل كلها يندرج تحته فضيلة القوة العقلية الملكية من الحكمة المتوسطة بين الحرمزة، والبلادة، وفضيلة القوة الشهوية البهيمية من العفة المتوسطة بين الخلاعة، والخمود، وفضيلة القوة الغضبية السبعية من الشجاعة المتوسطة بين التهور والجبن. فمن الحكم الاعتقادية التوحيد المتوسط بين التعطيل، والتشريك. نقل عن رضي الله عنهما: أن العدل هو التوحيد . والقول بالكسب المتوسط بين الجبر والقدر، ومن الحكم العملية التعبد بأداء الواجبات المتوسط بين البطالة والترهب. ومن الحكم الخليقية الجود المتوسط بين البخل والتبذير، ابن عباس والإحسان أي: الإتيان بما أمر به على الوجه اللائق، وهو إما بحسب الكمية، كالتطوع بالنوافل، أو بحسب الكيفية كما يشير إليه قوله عليه الصلاة والسلام: " ". الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك وإيتاء ذي القربى أي: إعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه، وهو تخصيص إثر تعميم اهتماما بشأنه. وينهى عن الفحشاء الإفراط في مشايعة القوة الشهوية كالزنا مثلا. والمنكر ما ينكر شرعا، أو عقلا من الإفراط في إظهار آثار القوة الغضبية. والبغي الاستعلاء، والاستيلاء على الناس، والتجبر عليهم، وهو من آثار القوة الوهمية الشيطانية التي هي حاصلة من رذيلتي القوتين المذكورتين الشهوية والغضبية، وليس في البشر شر إلا وهو مندرج في هذه الأقسام صادر عنه بواسطة هذه القوى الثلاث، ولذلك قال رضي الله عنه: هي أجمع آية في القرآن للخير والشر، ولو لم يكن فيه غير هذه الآية الكريمة لكفت في كونه تبيانا لكل شيء، وهدى. ابن مسعود يعظكم بما يأمر وينهى، وهو إما استئناف، وإما حال من الضميرين في الفعلين. لعلكم تذكرون طلبا; لأن تتعظوا بذلك.