إن إبراهيم كان أمة على حياله لحيازته من الفضائل البشرية ما لا تكاد توجد إلا متفرقة في [ ص: 149 ] أمة جمة حسبما قيل:
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
وهو رئيس أهل التوحيد، وقدوة أصحاب التحقيق ، جادل أهل الشرك وألقمهم الحجر ببينات باهرة لا تبقي ولا تذر، وأبطل مذاهبهم الزائغة بالبراهين القاطعة والحجج الدامغة، أو لأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا وحده، والناس كلهم كفار. وقيل: هي فعلة بمعنى مفعول، كالرحلة والنخبة من أمه إذا قصده، أو اقتدى به فإن الناس كانوا يقصدونه، ويقتدون بسيرته لقوله تعالى: إني جاعلك للناس إماما وإيراد ذكره صلى الله عليه وسلم عقيب تزييف مذاهب المشركين من الشرك، والطعن في النبوة، وتحريم ما أحله الله تعالى للإيذان بأن حقية دين الإسلام، وبطلان الشرك وفروعه أمر ثابت لا ريب فيه. قانتا لله مطيعا له، قائما بأمره، حنيفا مائلا عن كل دين باطل إلى الدين الحق غير زائل عنه بحال. ولم يك من المشركين في أمر من أمور دينهم أصلا وفرعا، صرح بذلك مع ظهوره، لا ردا على كفار قريش فقط في قولهم نحن على ملة أبينا إبراهيم، بل عليهم وعلى اليهود المشركين بقولهم: عزير ابن الله في افترائهم، وادعائهم أنه عليه الصلاة والسلام كان على ما هم عليه، كقوله سبحانه: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إذ به ينتظم أمر إيراد التحريم، والسبت سابقا ولاحقا.