إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا
إذ أوى ظرف لعجبا لا لحسبت، أو مفعول لاذكر، أي: حين التجأ. الفتية أي: أصحاب الكهف أوثر الإظهار على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه في أنفسهم من حال الفتوة، فإنهم كانوا فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك، فهربوا منه بدينهم، ولأن صاحبية الكهف من فروع التجائهم إلى الكهف فلا يناسب اعتبارها معهم قبل بيانه، إلى الكهف بجبلهم للجلوس، واتخذوه مأوى. فقالوا ربنا آتنا من لدنك من خزائن رحمتك الخاصة المكنونة عن عيون أهل العادات. فـ "من" ابتدائية متعلقة بآتنا، أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله الثاني قدمت عليه لكونه نكرة، ولو تأخرت لكانت صفة له، أي: آتنا كائنة من لدنك. رحمة خاصة تستوجب المغفرة، والرزق، والأمن من الأعداء. وهيئ لنا من أمرنا الذي نحن عليه من مهاجرة الكفار، والمثابرة على طاعتك، وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء، أي: أصلح، ورتب، وأتمم لنا من أمرنا. رشدا إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب، واهتداء إليه، وكلا الجارين متعلق بهيئ لاختلافهما في المعنى، وتقديم المجرورين على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بهما، وإبراز الرغبة في المؤخر بتقديم أحواله فإن تأخير ما حقه التقديم عما هو من أحواله المرغبة فيه، كما يورث شوق السامع إلى وروده ينبئ عن كمال رغبة المتكلم فيه، واعتنائه بحصوله لا محالة، وكذا الكلام في تقديم قوله تعالى: "من لدنك" على تقدير تعلقه بـ "آتنا"، وتقديم "لنا" على "من أمرنا" للإيذان من أول الأمر بكون المسؤول مرغوبا فيه لديهم، أو اجعل أمرنا رشدا كله على أن من تجريدية مثلها في قولك: رأيت منك أسدا.